زرُّ الجاكيت روزنامة المعتقلين.. بفضله عرفتُ موعد ذكرى الثورة

إيمان حمراوي

تنتشر الصور والأخبار في كل عام منذ 2012 عن إحياء سوريين لذكرى الثورة السورية، وتتجدد معها المطالبة بالكشف عن مصير المختفين قسرياً في سجون النظام السوري، لكن وسط الهتافات واللافتات والمنشورات الإلكترونية والمقالات، يطرح تساؤل عن المعتقلين: هل يعرفون بموعد ذكرى الثورة؟ 

أسئلة كثيرة عن المعتقلين وعلاقتهم بهذه المناسبة، عن نظرتهم لفعاليات إحياء ذكرى الثورة خارج القضبان؟ ما إن كانوا يملكون ترف الاحتفال به بالمهاجع والزنازين؟ إن أمكن، كيف؟ لماذا قد لا يهتمون بها؟ ما أولوية الأمر بالنسبة لهم؟ ما المشاعر والإحساس تجاه الأصوات في الخارج المطالبة بإطلاق سراحهم؟

لا يمكن للمعنيين المباشرين أن يقدموا إجابات عن الأسئلة المذكورة لانقطاع الأخبار والمعلومات عن مصيرهم منذ سنوات، لكن هناك من عاشوا الحدث في سجون النظام يروون لروزنة عن ذكرياتهم مع هذه المناسبة، وعن المتاح للسوريين خلف القضبان الباردة والزنازين المظلمة، والطرق لمعرفة الزمن ومعنى السؤال عنهم، وحكايا الأمل.

أكثر من مئة وخمسين ألف شخص سوري معتقل داخل سجون النظام، بسبب المبادئ التي طالبوا بها منذ عام 2011، كان ثمنها سنوات من الاعتقال والألم والعذاب والأمل بسوريا حرة.

احتفال لدقائق.. منفردة لأيام!

"أهازيج وهتافات لدقائق معدودة"، هكذا احتفل الشاب السوري محمد وانلي (مواليد 1983) بذكرى الثورة الأول في آذار2012 مع حوالي 200 معتقل في سجن حمص المركزي.

سرعان ما انتهى الاحتفال بعد اقتحام شرطة السجن للغرف وزج المعتقلين في السجن الانفرادي لبضعة أيام.

استطاع "وانلي" الاحتفال، عندما انتهى التحقيق معه في الأفرع الأمنية ونقل إلى السجن المركزي في حمص قبل 5 أيام من ذكرى الثورة، آنذاك عرف أنّ الموعد هو "ذكرى الثورة".

"بعد الهتافات والأهازيج والبكاء والأمل، قضيت 3 أيام في المنفردة، ومن ثم عدت إلى مهجعي"، يصف "وانلي" حاله، آنذاك، ويضيف: "إحياء الناس ذكرى الثورة في الخارج لا يعني للمعتقل سوى شيء واحد، هو أن الثورة مستمرة و أن الأمل ما زال موجود من أجل خروجه إلى النور".

في الظروف الطبيعية للمعتقل في الفروع الأمنية لا أحد يعرف الزمان أو الليل من النهار، إذ يُغيّب المعتقل عن كل أشكال الحياة، حتى عن الثورة التي خرج وهتف من أجلها، لا يستطيع أحد معرفة موعد اقترابها إلا صدفة.

"فقط من يملك ذاكرة قوية و قدرة على الحساب قد يستطيع معرفة الوقت التقريبي، أما عن مناسبة كذكرى الثورة فلا يمكن معرفتها"، يقول "وانلي".

اعتقل محمد وانلي في أيلول عام 2011، عندما هتف للحرية من على منبر إحدى الإذاعات داخل دمشق، في ظل خروج المظاهرات السلمية، ليكون ذلك سبباً في اعتقاله، وأٌفرج عنه لاحقاً في حزيران من العام التالي.

التهم التي ألصقت به تجاوزت العشر: "النيل من هيبة الدولة، والدعوة لإسقاط نظام الحكم، شتم الرئيس، شتم الجيش، ترويج أخبار كاذبة، التخابر مع جهات إعلامية معادية… إلخ"، والكثير غيرها.

"في السجن يفكر المعتقل بعيد الثورة لأنه اعتقل من أجلها، فهي تعني له الكثير، ويعيش على أمل أن يسمع أخباراً جيدة في تلك المناسبة"، يشرح "وانلي" عن أهمية ذكرى الثورة.

وبرأيه فإن الشعارات التي ترفع للمطالبة بالمعتقلين بعد عقد من الزمان، لم تعد سوى مجرد شعارات وليس هناك مطالبات حقيقية بالمعتقلين، وطلب من مؤسسات المعارضة تحريك الشأن العام في قضية المغيبين قسرياً بشكل حقيقي، واصفاً إياها بـ"مجرد جهات منتفعة من الثورة لا تقدم أي فائدة تذكر".

ومنذ عام 2011، وثّقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" اعتقال ما لا يقل عن 154 ألف و817 شخصاً، بينهم أكثر من خمسة آلاف طفل وو10 آلاف سيدة بالغة، لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، بين المعتقلين 135 ألف على يد قوات النظام السوري.

"كنت أخط على الحائط التاريخ بشكل يومي بزر الجاكيت الذي أرتديه، لأعرف التاريخ وكم يوماً بقيت في المعتقل، لذلك عرفت أي يوم هو ذكرى الثورة"

فضلُ زر الجاكيت

حلا هزاع (1987) احتفلت بذكرى الثورة في آذار 2014، داخل فرع فلسطين التابع للنظام السوري بدمشق.

"كنت أخط على الحائط التاريخ بشكل يومي بزر الجاكيت الذي أرتديه، لأعرف التاريخ وكم يوماً بقيت في المعتقل، لذلك عرفت أي يوم هو ذكرى الثورة"، تقول حلا.

مرت ذكرى الثورة لدى حلا "ثقيلة موجعة مؤلمة"، ومليئة بالذكريات ما بينها وبين زميلاتها في المعتقل وما سيفعلنه مستقبلاً،  "كنا نهرب من المكان يلي نحن فيه للحلم يلي عشناه بالثورة، للحرية الي كانت مو موجودة بالمعتقل ولا حتى خارجه، كنا نحلم حدا يفتح باب الزنزانة ويطالعنا".

توضح حلا: "لم يكن سهلاً الاحتفال بالثورة داخل المعتقل، أي تفصيل مشابه لما حدث في الخارج قد يعرّضنا للقتل أو التعذيب، وبخاصة أنه داخل الزنزانة توجد مخبرات للسجانين لنقل أخبار المعتقلات".

اعتقلت حلا في تشرين الثاني عام 2013 من منزلها بحي القصور في مدينة دير الزور في الأمن العسكري بالمدينة، ولاحقاً نقلت إلى فرع فلسطين بدمشق، بتهمة "التواصل مع مجموعات إرهابية ومشاركتها بالحراك الثوري وشتم رئيس الدولة" وغيرها من التهم.

وأفرج عنها في حزيران عام 2014 بعد عرضها على محكمة الإرهاب.

الثورة بالنسبة لحلا "حياة مستمرة لتحقيق النصر والمحاسبة مهما كان الثمن".

عيد الثورة.. تاريخ ميلاد

مر عيد الثورة مرتين على حسان الخاروف داخل المعتقل، فكان الاحتفال بذكرى الثورة مختلفاً عما هو معروف.

اعتقل في نيسان عام 2014 بسبب نشاط طبي إغاثي بدمشق، ليفرج عنه في كانون الأول عام 2016.

شكّل حسان ورفاقه داخل المعتقل "تنسيقية سجن عدرا" كانت كنوع من الحصول على الحرية المنشودة، من خلالها يقررون خططهم الأسبوعية أو اليومية كرفض الطعام أو تقديم شكوى جماعية.

وفي منتصف آذار كانوا يصنعون أساور علم الثورة السورية أو المسابح كتعبير عن مشاعرهم، ومن ثم تُفرط لئلا يكتشف أحد أمرهم من السجانين، كما يروي لروزنة.

"نعايد بعضنا البعض بعيد الثورة، لكن قلوبنا تحترق من الداخل بسبب ما نعانيه من القمع" يضيف حسان.

عيد الثورة بالنسبة لحسان مثل "تاريخ الميلاد" هو الحرية المنشودة التي طالما حلم بها وسجن من أجلها، كما يقول.

يشارك حسان وانلي الرأي في أنّ الثورة "أمل": "أي انتصار للمعارضة هو أمل بقرب الإفراج عن المعتقلين".

الزمان داخل ثقب أسود

سحر زعتور من مواليد كفرنبل ( 1993)  مر عليها خلال فترة اعتقالها عيدي ثورة، لكنها كانت غائبة عنهما بكل جوارحها، بسبب آلام المعتقل والتعذيب النفسي.

"كنا تحت الأرض بـ 3 طوابق، لا نعلم الوقت أو التاريخ ولا أي شيء، كان يمر عيد الثورة دون أن ندري به (…) هناك أمور أصعب كنا نفكر فيها كالقتل والتعذيب، وهو ما يجعل تفكيرنا بالأمور الأخرى أقل بكثير".

شاركت سحر ونسّقت للمظاهرات في جامعة حلب، وهو كان سبب اعتقالها لدى أجهزة أمن النظام في تشرين الثاني عام 2014، وأفرج عنها في أيار عام 2016 بعدما تنقلت ضمن العديد من الأفرع الأمنية في دمشق وحلب وحمص.

"الثورة للمعتقل هدف" تقول سحر، إلا أنّها وهي داخل السجن لم يكن عندها أي أمل بالخروج من هول ما شاهدوه.

وبرأي سحر أن المظاهرات هي تجديد للعهد على المضي بالثورة، لكنها لا تقدم أي شيء للمعتقل ولا تحدث فارقاً "لا أحد يشعر بالمعتقل"، تقول بوضوح.

إحياء الذكرى خارج القضبان.. للمرة 11

بين 15 و18 آذار من كل عام، يتجمهر آلاف السوريين في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، حاملين علم الثورة السورية ورايات تؤكد مطالبهم التي خرجوا لأجلها منذ أول عام في 2011، رغم القتل والتهجير والنزوح.

"الشعب يريد إسقاط النظام، بدنا حرية، يلا ارحل يا بشار"، هي مبادئ ثابتة لدى ملايين السوريين، تمسكوا بها ورددوها خلال مظاهراتهم، ولا سيما في ذكرى الثورة.

خلال اليومين الفائتين، العديد من المظاهرات خرجت لإحياء عيد الثورة السورية شمالي سوريا، في إدلب وفي مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والغربي "الأتارب، عفرين، أخترين، الباب" ورأس العين في الحسكة، والطبقة في الرقة.

أيضاً يستذكر سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، ذكرى الثورة الأيام الأولى، انطلاقتها والمظاهرات السلمية، والمعتقلين، والكثير من التفاصيل التي حدثت على مدار السنوات الماضية.

ثورة.. في "جمهورية الرعب"

بعد تونس ومصر وليبيا واليمن، وصلت موجة الربيع العربي إلى سوريا، والتي كان يطلق عليها سوريون مصطلح "جمهورية الرعب"، لما يعيشونه من كبت واستبداد وقمع لعقود في ظل حكم النظام السوري.

وفي 15 آذار 2011، انطلقت أول مظاهرة في سوقي الحميدية والحريقة بدمشق، طالب المتظاهرون فيهما بالإصلاح وفتح باب الحريات في سوريا، شارك فيها عدد من السوريين حيث واجهها عناصر الأمن السوري وتمكنوا من تفريق المتظاهرين.

في 18 آذار، واجه النظام المتظاهرين في درعا بالقمع والاعتقال وإطلاق النار،  ليسقط أول قتيل برصاص الأمن السوري في درعا، وهو محمود قطيش الجوابرة لاعب نادي الشعلة. 

اتسع نطاق المظاهرات ليصل غالبية المدن والبلدات السورية، ويتردد صدى هتافات إسقاط النظام في مظاهرات سلمية من البوكمال شرقاً حتى القصير غرباً.

لا زالت آلاف العائلات السورية تنتظر الكشف عن مصير أبنائها في سجون النظام السوري، ينظمون الوقفات والتظاهرات والحملات للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم، وجعل ملفهم "فوق التفاوض"، مستذكرين ما قدموه، متساءلين عن شكل حياتهم؟ مشاعرهم؟ ملامحهم؟ وإذا ما كانوا يعرفون أن سوريين يطالبون بهم في ذكرى الثورة السورية.