
الزلزال يوجه ضربة جديدة لقطاع التعليم في سوريا
نورالدين اسماعيل
يصر محمد العبود على عدم ارسال أولاده إلى المدرسة في مدينة إدلب حتى يستقر وضع الهزات والزلزال، أو إلى نهاية الأسبوع الأول من آذار على أقرب تقدير، وذلك مع بداية الدوام المدرسي إثر توقف استمر أسبوعين، نتيجة تعرض شمالي سوريا وجنوب تركيا لزلزال مدمر في 6 شباط الجاري.
دمار كبير خلفه الزلزال الذي ضرب البلاد في الـ6 من شهر شباط 2023، سواء في الأبنية السكنية والمنشآت العامة أو المدارس في مختلف المناطق السورية، توقفت فيه مناحي الحياة تقريباً.
الأبنية المدنية والمدارس في المدن المتأثرة بالزلزال كإدلب وحلب هي متضررة ومتصدعة سلفاً، نتيجة العمليات العسكرية والقصف الذي استهدفها خلال السنوات الـ10 الماضية.
محمد العبود ليس الوحيد من الأهالي الخائفين على حياة أبنائهم مع استمرار الهزات الارتدادية.
حسب مصادر من المنطقة، فقد تسببت حالة الهلع والتدافع نتيجة إحدى الهزات الارتدادية بسقوط طالبة من درج مدرسة "صلاح الدين" في مخيم ببلدة كفرلوسين الحدودية، بالقرب من معبر باب الهوى، وذلك بعد السماح بعودة الطلاب إلى المدارس من قبل مديرية التربية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من إدلب.
وكأن المنطقة لم يكن ينقصها سوى زلزال حتى يقضي على آخر الآمال بإعادة الأطفال إلى التعليم بعد الحرب الطويلة.

من إحدى المدارس المتضررة بالزلزال في مدينة إدلب
من إحدى المدارس المتضررة بالزلزال في مدينة إدلب
واقع تعليمي متهالك شمالي غربي سوريا
تتوازع كل من الحكومة المؤقتة (التابعة للائتلاف الوطني المعارض) وحكومة الإنقاذ (التابعة لهيئة تحرير الشام) إدارة القطاع التعليمي في شمالي غربي سوريا، مع نقص كبير في تأمين المستلزمات الأولية لإدارة العملية التعليمية.
وقد بلغ عدد الضحايا من الطلاب 421 طالباً وطالبة، وقرابة 39 شخصاً بين مدرس وإداري في محافظة إدلب التي تديرها حكومة الإنقاذ.
وفي حديث خاص لــ"روزنة" قال وزير التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة الدكتور جهاد حجازي إن 226 طالباً فقدوا حياتهم نتيجة الزلزال في المناطق التي تديرها الحكومة المؤقتة شمالي وشرقي حلب، وأصيب ما يزيد عن 1041 طالباً غيرهم.
وبحسب حجازي فقد بلغ عدد المدارس التي خرجت عن الخدمة بسبب الزلزال ولا يمكن ترميمها 11 مدرسة، بينما تضررت 395 مدرسة وهي بحاجة إلى ترميم، إضافة إلى تحويل بعض المدارس إلى مراكز إيواء مؤقت، ما جعل العدد الكلي للمدارس المتعطلة 450 مدرسة.
وأكد أن "ما يزيد عن 265000 طالب لن يتمكنوا من العودة إلى المدارس، إما لأنهم باتوا يقيمون في المخيمات التي تشكلت نتيجة الزلزال، أو أن مدارسهم متضررة، أو تحولت إلى مراكز إيواء، أما المدارس التي لم تتعرض لأي ضرر يمكن أن يعود طلابها إليها في حال تم استئناف العملية التعليمية".
وعن الحلول المطروحة أمام الوزارة لمتابعة سير العملية التعليمية، أوضح حجازي أن الوزارة "وقّعت مذكرة تفاهم مع مبادرة مسارات للتعليم عن بعد، من أجل تقديم الدروس لمرحلة الشهادتين الثانوية والتعليم الأساسي، وتفعيل قناة اليوتيوب الخاصة بالوزارة".
كما نوه إلى أن الوزارة "وجهت دعوات ونداءات لعقد مؤتمر في الداخل لدعم التعليم، وإعادة ترميم المدارس، ودعم الطلاب المتضررين"، لكن لا يوجد أي شيء واضح في القريب العاجل لإقامتها.
وبين أن الوزارة قدمت لائحة بالاحتياجات المطلوبة لقطاع التعليم لمدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في أعزاز.
وتداول نشطاء إعلاميون، مؤخراً، مقاطع فيديو تظهر صدوعاً وتشققات وتضرراً في "المدرسة الريفية" بمدينة حارم شمالي إدلب.
وبعد قرارين صادرين عن مديرية التربية في إدلب، قضيا بتعطيل المدارس طيلة الأسبوعين التاليين للزلزال، ثم عودة الدوام المدرسي بشكل خجول، ما يزال الخوف هو سيد الموقف لدى غالبية الأهالي من عودة أبنائهم إلى المدارس.
يضاف إلى الخسائر الحالية من بنى تحتية مرتبطة بالقطاع التعليمي، الأبنية المدرسية المتصدعة والتي يمكن أن تنهار في هزات ارتدادية أو زلازل أخرى قد تتعرض لها المنطقة.
فمعظم المدارس في شمالي غربي سوريا قد لا تحتمل هزات جديدة، بسبب التصدعات والأضرار التي لحقت بها بسبب القصف المستمر من قبل النظام السوري والطيران الروسي.
مدارس متضررة في مناطق سيطرة النظام السوري
بعد الزلزال تحولت 103 مدارس لتصبح مراكز إيواء للمتضررين من الزلزال حسب وزارة التربية في دمشق، في كل من حلب واللاذقية.
وهناك 700 مدرسة متضررة من جراء الزلزال، أحصتها وزارة التربية في حكومة النظام السوري، وكشف مدير التخطيط والتعاون الدولي في الوزارة غسان شغري، أن الغالبية الساحقة لهذه المدارس تركزت في محافظة حلب، منها 15 مدرسة خارج الخدمة نتيجة دمارها بالكامل، و 453 مدرسة متوسطة الأضرار وتحتاج إلى تدخل مباشر لتدعيمها خوفاً من السقوط، و 232 مدرسة ذات أضرار خفيفة.
كما أعلن شغري عدد الخسائر البشرية في القطاع التربوي، حيث قضى نتيجة الزلزال 142 مدرساً، غالبيتهم في محافظة اللاذقية وعددهم 122 مدرساً، بينما توزع الباقون على محافظات حلب وحماة، إضافة إلى إصابة أكثر من 30 مدرساً.
وأعلن مدير التربية في اللاذقية عمران أبو خليل، في حديث لصحيفة "الوطن" المحلية استئناف الدوام المدرسي في المدارس السليمة، اعتباراً من بداية الأسبوع المقبل، مشيراً إلى "تعويض الفاقد التعليمي للطلاب بدوام يوم السبت من كل أسبوع في المدارس الآمنة، التي ستعود للدوام بداية الأسبوع المقبل".

وعلى حذوها سارت مديرية التربية في حماة، قبل أن تعود لالغائه، ونقلت إذاعة شام اف ام عن مديرية تربية حماة قرارها البدء بتعويض الفاقد التعليمي أيام السبت اعتباراً من 4/3/2023، على أن يبقى الدوام المدرسي كما هو عليه حالياً، مع التأكيد على وضع برنامج تعويض الفاقد التعليمي من قبل إدارة كل مدرسة بالتنسيق مع الكادر التعليمي فيها وإشراف دائرة التوجيه والمناهج.
وأجلت الوزارة امتحانات الشهادة العامة إلى 7 حزيران 2023، على أن تنتهي في الـ 26 من الشهر ذاته.
ولم يصدر عن وزارة التربية في حكومة النظام السوري أية تصريحات حول خططها لإعادة الدوام المدرسي إلى المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء للمتضررين، أو إيجاد حلول بديلة تسمح للطلاب متابعة تحصيلهم العلمي خلال الفصل الثاني من العام الحالي.
ولمناقشة خطة الاستجابة لتعويض قطاع التعليم، ودعم دروس تعويضية للشهادات العامة والمرحلة الانتقالية، وتعويض الفاقد التعليمي، وإمكانية دعم الأطر التعليمية،عقدت الوزارة اجتماعاً بحضور اليونيسيف، مكتب اليونسكو الإقليمي في بيروت، الإغاثة الإسلامية الفرنسية، انترسوس، برنامج الأغذية العالمي، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في حين حضر افتراضياً منظمات: المفوضية السامية العليا للاجئين، إسعاف أولي الدولية، تريانكل، التعاون الدولي الإيطالي، الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، المتطوعين المدنيين الإيطالية، المجلس النرويجي للاجئين، الفنلندية للاغاثة، جمعية تآلف.
تحذيرات سابقة
الواقع التعليمي بسبب الحرب يعاني من تدهور كبير، وتسرب عال للطلبة في مختلف المناطق السورية منذ 2011.
وأطلقت الأمم المتحدة، في أعوام سابقة، تحذيرات من الخطورة التي يمر بها قطاع التعليم في سوريا، حيث أكدت منظمة "يونيسيف" عام 2021 أنه "لم تعُد واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا صالحة للاستخدام، لأنها تعرضت للدمار أو للضرر أو لأنها تُستخدم لأغراض عسكرية".
وشملت التحذيرات التسرب المدرسي الذي يواجهه الطلاب في سوريا، نتيجة عدة عوامل، إضافة إلى عدم قدرة المدارس الصالحة للاستخدام على استيعاب كامل الأعداد للطلاب، لأنهم "يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظة، وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة أو التهوية".
وأكدت يونيسيف في تقريرها أن حوالي 700 هجوم نُفذ على منشآت وطواقم تعليمية في سوريا، منذ بدء التحقق من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال. من بينها 52 هجوماً وقع في عام 2020 وحده.
وبناء على التقرير، أصدرت الأمم المتحدة تحذيرات بأن أكثر من مليون ونصف طفل في سوريا غير ملتحقين بالمدارس، بينهم 40 في المئة من الفتيات.
نزوح جديد، وأضرار جديدة في المنشآت التعليمية، وحالة من الرعب بين الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدارس، ربما تساهم جميعها في زيادة أعداد الأطفال المتسربين من مقاعد الدراسة.
وبعيداً عن الأزمات المتلاحقة التي يواجهها قطاع التعليم في سوريا، والتي من بينها توقف الدعم كما هو الحال في مناطق شمالي غربي سوريا، وعدم توفر أجور مناسبة للمعلمين في مناطق سيطرة النظام السوري والتي لا تتجاوز 25 دولاراً شهرياً، فإن مستقبل ملايين الطلاب بات مهدداً.