
بعد نحو شهر.. الزلزال يسرع انهيار القطاع الطبي في شمال غرب سوريا
منار عبد الرزاق
القطاع الطبي المتهالك أفقد البنية الصحية في شمال غرب سوريا القدرة على الاستجابة للزلزال، فالمنظومة الطبية كانت تعاني أصلاً من شح الموارد وخفض الدعم عن العديد من المؤسسات الطبية وتسريح طواقم العمل، ما جعل المواجهة مع الواقع الصعب مضاعفة.
"لم نستطع تأمين أمكنة كافية في غرف العناية الفائقة في الساعات الأولى من الزلزال..لقد انهار حرفيًا نظام الإحالة المتبع ضمن منظومة الإسعاف في المنطقة"، هكذا وصف الطبيب أحمد برو، مسؤول منظومة الإسعاف في منظمة سوريا للإغاثة والتنمية في شمال غرب سوريا، واقع الساعات الأولى من الزلزال.
القطاع الطبي في الشمال السوري استفاق على وقع كارثة الزلزال الذي ضرب المنطقة فجر يوم الاثنين الواقع في السادس من شباط/ فبراير 2023، موقعاً ما يزيد عن 2274 قتيلًا، وأكثر من 12000 جريح، بحسب إحصائيات الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء).
يقول الطبيب برو: "الوضع أصبح أشبه بيوم القيامة..ومع الأسف فقد البعض حياتهم جراء تعرضهم لرضوض تحت الأنقاض..وعدم معرفة التشخيص الدقيق لحالتهم خلال عمليات الإسعاف، أو انتظارهم لفترة أطول من المعتادة؛ من أجل تقديم العلاج".
ويقوم نظام الإحالة في مشافي الشمال السوري على التنسيق بين منظومة الإسعاف بعد تقدير حالتهم؛ بالتنسيق ما بين من يسمون بـ "منسقي الإحالة" في المشافي والقائمين على منظومة الإسعاف.
وتعمل مجموعة "منسقي الإحالة" في تأمين غرف عناية فائقة للمرضى من أصحاب الإصابات الخطرة بمشافي إدلب وعفرين. وقد استطاعت نقل نحو 330 مصاب؛ خلال اليومين الأوليين من الزلزال، إذ تضم منظومة الإسعاف في المنطقة نحو 24 سيارة مخصصة لنقل المصابين إلى المشافي المختصة.
جثة طفلة صغيرة؛ بقيت ممددة على طاولة الإسعاف في المشفى دون دفن لليوم الثالث على التوالي

فوضى وجثث منسية
جثة طفلة صغيرة؛ بقيت ممددة على طاولة الإسعاف في المشفى دون دفن لليوم الثالث على التوالي؛ وجدها الطبيب برو في احدى جولاته الميدانية في مشفى جنديرس.
يقول الطبيب لم تكن جثة الصغيرة لوحدها بل كانت ممدة إلى جانب نحو 10 جثث أخرى؛ مغطاة ببعض "الأغطية أوالشراشف" في اليوم الأول من الزلزال؛ لكن ضغط العمل؛ أدى إلى تناسي الطفلة الميتة من دون دفن.
ولدى اكتشاف العاملين في المشفى لجثة الطفلة؛ قاموا بتوثيقها لدى المشفى العسكري في عفرين؛ وهو المسؤول عن التقاط صور لمجهولي الهوية ومن ثم دفنهم في أماكن محددة؛ إذ أنّ الفوضى الناتجة عن الضغط الكبير على القطاع الطبي أدت إلى اتخاذ بعض القرارات الارتجالية من ناحية توثيق الضحايا قبل دفنهم.
الضغط الكبير على المشافي وارتفاع أعداد الضحايا؛ أدى إلى نسيان عدد من الجثث على في قسم الإسعاف من المشافي؛ وترك بعضها بلا دفن لعدة أيام، بانتظار "حفار قبور" ينقذ الأجساد الميتة جراء الزلزال من التعفن.
وتمكنت "روزنة" من توثيق إحدى هذه الحالات؛ والمتمثّلة بقيام المجلس المحلي في جنديرس بدفن 12 جثة من ضحايا الزلزال دون توثيق؛ وهو ما أثار استهجان عدد من المنظمات والناشطين في المنطقة، واستدعى القيام بعملية توثيق لمكان المقبرة.
تأثير الكارثة كان مضاعفًا على الكادر الطبي في مشفى باب الهوى، حاله في ذلك حال معظم المنشآت الطبية التي قدمت الرعاية الصحية للمصابين رغم فقدانهم لعدد من أسرهم، والبحث عن مصير آخرين تحت الركام، من بينهم الدكتور محمد حمرا، المدير الإداري للمشفى باب الهوى؛ الذي فقد زوجته وطفله الرضيع خلال الزلزال الذي ضرب مدينة انطاكيا؛ فيما تمكنت ابنتاه من النجاة بعد أن حفرتا بأيديهن الركام.
اقرأ أيضاً: القصة الكاملة للطبيب محمد حمرا
ضحايا الزلزال لهم الأولوية
كان على المشافي الاستجابة لأضرار الزلزال على حساب تقديم الرعاية الصحية الأولية للمرضى، وهو ما أقرّ به د.مهيب قدور، مدير مشفى أطمة الخيري بأن الضرورة الملحة في الاستجابة لضحايا الزلزال هو من جيّر كلّ العاملين في الصحة لصالح الاستجابة لمتضرري الكارثة، على حساب الحالات الباردة، وبالتالي غابت الرعاية الصحية الأولية في مختلف مشافي الشمال خلال الأيام الأولى من الكارثة".
وكانت المعاناة الأساسية لمنظومة الإسعاف تتمثل في تحديد نوعية الإحالة للناجين من الزلزال والمصابين برضوض عامة وغير دقيقة؛ وهو ما يصعب عملية تقييم الحالة؛ وإحالتها إلى المشفى المختص، بحسب مسؤول منظومة الإسعاف.
ويوضح مسؤول المنظومة أنّ " نظام عمل الإحالة المعتمد قبل الكارثة قد انهار، وبات الاعتماد على تقييم الحالات من قبل المشفى ذاته والتعامل الميداني مع الحالات الواردة هو أساس توزيع المصابين على المشافي؛ بسبب امتلاء غرف العناية في كافة المشافي بالمصابين وتكدس المرضى في ممراتها".
كما زودت سيارات الإسعاف بكادر طبي متكامل؛ يعمل على تقديم الإسعافات الأولية للمصاب ريثما يصل إلى المشفى، وأكد الطبيب برو " أنّ منظومة الإسعاف لم تسجل سوى عملية وفاة واحدة أثناء عملية نقل تمت من مشفى حارم إلى مشفى باب الهوى؛ إلا أنّ المصاب توفي بعد توقف قلبه عن النبض".
ورغم واقع الدعم المتردي، وقلة الموارد؛ والإصابات في صفوف الكوادر الطبية، إلا أنّ مشافي شمال غرب سوريا "استطاعت استقبال ما يزيد عن 12000 إصابة، أثناء عمليات الاستجابة لمتضرري الزلزال في الساعات الأولى والأيام التي تلت الكارثة؛ والتي تنوعت في معظمها ما بين (جراحة عظيمة، تنازع هرس، بتور أطراف، ورضوض متعددة)".
ويقول مدير الصحة في إدلب زهير قراط لـ روزنة: "إنّ الأضرار الزالزية طالت المنشآت الطبية؛ إذ خرج مشفى الأمومة في الدانا عن الخدمة، فيما رصدت المديرية تشققات في 9 مشافي تابعة لها، وتضرر عدد من المشافي جزئيًا من بينها مشفى الإيمان في سرمدا".
الظرف الّذي وضعت فيه مشافي الشمال جراء الكارثة؛ جعلها تعمل بما يفوق طاقتها الاستيعابية بعشرات المرات، إذ يؤكد محمد حمرا، المدير الإداري مشفى باب الهوى الجراحي خلال حديثه لـ "روزنة" استقبالهم لنحو 1300 مصاب؛ وإجراء نحو 100 عمل جراحي؛ بينهم 53 عملية تثبيت فقرات".
منع دخول الحالات الحرجة إلى تركيا يفاقم الأوضاع
زلزال الـ 6 من شباط/ فبراير ضرب الولايات التركية في الجنوب؛ إذ أعلنتها الحكومة منذ الأيام الأولى للزلزال "منكوبة"، وارتفع فيها عدد الضحايا لأكثر من 150 ألف شخص، بينهم ما يقرب من 46 قتيلًا، ومنعت السلطات التركية دخول المصابين من سوريا إلى مشافيها؛ بسبب امتلاء المشافي بمصابي الزلزال؛ وهو ما تسبب بإنهاء حياة العديد من المصابين في الشمال السوري؛ نتيجة نقص الرعاية الطبية.
قرار المنع؛ أكده مسؤول المكتب الطبي في معبر باب الهوى الحدودي بشر اسماعيل لـ "روزنة"، بالقول: "منذ اليوم الأول أعلمنا من قبل الجانب التركي بتعليق دخول المرضى حتّى إشعار آخر"، وأنّ "معدل دخول المرضى فيما قبل الزلزال كان يتراوح ما بين 300 حالة عاجلة و450 حالة باردة شهريًا عبر المعبر".
د.مهيب قدور، مدير مشفى أطمة الخيري وصف يوم الزلزال بـ "المخيف"، من ناحية الأعداد وحالات الاستقبال، وقال لـ "روزنة": إنّ "توقيت الزلزال فجرًا؛ أسهم في ارتفاع أعداد المصابين"، وأنّ "حالات عدد كبير من الجرحى كانت خطيرة للغاية، ومقلقة، خاصة أنّ معظمهم كانوا يعانون من متلازمة الهرس؛ وبتر الأطراف، إضافة إلى تطور الإصابات الحرجة إلى وفيات".
وطالب جميع المتعاطفين مع شمال غرب سوريا من حكومات وأفراد بالعمل على إنشاء جسر جوي بعد تخصيص مطار ميداني في معبر باب الهوى الحدودي؛ لنقل الحالات الحرجة (المعقدة)؛ لتقديم العلاج لها في الدول المتطورة.
منشآت طبية تضررت جراء الزلزال
المؤسسات الطبية داخل سوريا لم تنجُ من الزلزال، فبحسب بيان منظمة الصحة العالمية الصادر عنها في الـ 22 من شباط/ فبراير الجاري هناك "سبع مستشفيات ونحو 145 مرفقًا صحيًا تضررت في سوريا جراء الزلزال، العديد منها في مناطق شمال غربي سوريا، التي دمرتها الحرب على مدى عقد من الزمن، وهي أكثر عرضة للصدمات".
وسلّمت المنظمة الدولية أربع طائرات مستأجرة تحمل مساعدات إلى سوريا، على أن يجري تسليم معدات ثقيلة أيضًا قريبًا، وفق مدير الطوارئ الإقليمي في المنظمة، ريتشارد برينان، وأنّ "الصحة العالمية" كان لها وجود طويل في شمال غربي سوريا، وقامت بتوريد 30% من الأدوية في تلك المناطق بمراقبة طرف ثالث متابع لتوزيع هذه الأدوية.
موضحًا أن المشكلة الكبيرة في الوقت الحالي تتعلق بتفشي الكوليرا، واكتظاظ مراكز الإيواء، وقلة خدمات الصرف الصحي، ما قد يزيد انتقال الأمراض، لافتًا إلى أن المنظمة ستوصل لقاحات الكوليرا للفئات الأكثر ضعفًا بحلول نهاية آذار/ مارس المقبل.
أدوية منتهية الصلاحية..للتغلب على الكارثة
قلة الطاقم الطبي المتحصص دفع بعض الأطباء إلى اطلاق مناشدات لعددٌ من الأطباء السوريين المقيمين في ألمانيا والحاصلين على جنسيتها؛ وبالفعل قدموا إلى سورية وشاركوا في عدد من العمليات الجراحية لمصابي الزلزال ، يحملون اختصاصات طبية في الجراحة العظمية والجراحة العصبية وجراحة عمود فقري وداخلية
المشكلة الكبرى الثاني، كانت في عدم توفر الدواء، ويصف الطبيب عبد السلام ضويحي؛ الواقع الدوائي بـ "المأساوي"، موضحًا أنّ القائمين على القطاع الصحي يضطرون لإعطاء أدوية منتهية الصلاحية؛ للتغلب على الكارثة"، وأنّ "مستلزمات القطاع الصحي كبيرة للغاية في مقدمتها الأجهزة الطبية ومستهلكات طبية (شاش، مواد تعقيم، أدوات جراحية، خيوط طبية، وأدوية..)".
وأشار إلى حصوله على "قوائم كاملة للاحتياجات؛ من أجل محاولة تأمين بعضها على الأقل من المنظمات الفاعلة في الشأن الطبي بألمانيا"، فيما نشر ضويحي عبر صفحته التحضير لتوزيع 3 آلاف سلة إغاثية بمبلغ تقديري وصل إلى نحو53 ألف يورو؛ من أجل توزيعها على متضرري الزلزال.
يقول د. أحمد منصور مدير العمليات الطبية في سوريا لدى منظمة "يدًا بيد" احتياجات القطاع الصحي في الشمال بـ "الكبيرة"، ويتابع لـ "روزنة" إنّ إبرز مستلزمات المشافي تتمثّل في "مستلزمات الجراحة العظمية والعامة وأدوية التخدير وأجهزة وكيتات غسل الكلية".
وأكدّ منصور أنّ حجم الكارثة كان كبيرًا خلال الأيام والأسابيع الماضية وأن المنشآت الطبية التي تشرف عليها المنظمة؛ والتي تتمثل في 5 مشافي و5 مستوصفات، استقبلت خلال فترة الزلزال مئات الإصابات وخرّجت أكثر من 300 حالة وفاة من مجموع الحالات التي بلغت نحو 2274 في عموم المنطقة.

قبل الزلزال.. القطاع الصحي مستنزف
خفضت الجهات المانحة تمويل القطاع الطبي في شمال غرب سوريا، ودقت الهيئات الطبية العاملة في الشمال ناقوس الخطر، قبل الزلزال بأسابيع، عندما سرحت بعض كوادرها، وأغلقت عددًا من مشافيها؛ لتتكيف مع إعلانات خفض الدعم الدولي للقطاع الصحي إلى ما يقرب الـ 30%، وهو ما ترك فراغًا في تقديمها لبعض الخدمات الطبية لسكان المنطقة، والخوف من انتشار الكوليرا منذ شهر تشرين الأول لعام 2022.
تقول مصادر متقاطعة في المنظمات العاملة في القطاع الصحي لـ "روزنة" إنّ خفض الدعم قبل الزلزال أدى إلى تسريح ما يقرب من 20% من العاملين في القطاع الصحي، وأنّ هناك عددًا كبيرًا من المنشآت الطبية إما أغلقت بشكلّ كامل أو اضطر القائمون عليها لإغلاق عدد من الأقسام على حساب أقسام أخرى.
ذكر مدير مسؤول في منظمة (يدًا بيد)، فضّل عدم نشر اسمه لـ "روزنة" أنّ "المنظمة اضطرت إلى تسريح نحو 150 عاملًا في القطاع الطبي الذي تقوم عليه من أصل 1000 يعملون لصالح المنظمة في منشآتها المتعددة"، موضحًا أنّ "المنظمة أغلقت أحد مشافيها في الداخل قبل وقوع الزلزال؛ قبل أن تعيد الدعم إليه بعد وقوع الزلزال عبر منحة (إنصاف)".
وتعتمد كافة المؤسسات الطبية في الشمال السوري على مشاريع الدعم؛ لتمويل احتياجاتها الأساسية من كوادر ومستلزمات، إذ يبلغ معدل الدعم الشهري المقدّم من قبل المنظمات الإنسانية والأممية نحو 3 مليون دولار؛ وهي تجري كعقود مشاريع نصف سنوية؛ كونها مرتبطة بقرارات مجلس الأمن بشأن وصول المساعدات عبر الحدود إلى سوريا.
ولفتت المصادر إلى غياب تقديم الخدمة الطبية المتكاملة وخاصة خلال فترة الاستشفاء؛ واضطرار عدد من المشافي لإلغاء المطابخ فيها وتسريح القائمين عليها؛ وبالتالي حرمان المريض من وجبات الطعام خلال فترتي العلاج والاستشفاء.
ويعتبر مشفى إدلب الجامعي؛ الوحيد خارج منظومة دعم المنظمات؛ إذ يحصل على تغطية مباشرة للنفقات من إيردات معبر باب الهوى الحدودي؛ ولمدة تزيد عن أربع سنوات بموجب عقد شراكة بين الجانبين.
وتتمثل معاناة القطاع الصحي في خفض الدعم وقدم الأجهزة الطبية التي استهلكت على مدار السنوات الـ 12 الماضية؛ كون معظم المنشآت الطبية؛ أحدثت لتكون مشافي ميدانية إسعافية خلال أوقات الحرب؛ لكنها ما لبثت أن تطورت إلى منظومة صحة ورعاية صحية عامة في المنطقة.
ووجد العاملون في القطاع الصحي أنفسهم أمام استحقاقات متعددة من بينها هجرة الكوادر الطبية وغياب المؤسسات التعليمية المهنية التي ترفد القطاع، إضافة إلى استقبال المنطقة لعشرات آلاف المهجرين من مناطق أخرى (درعا، ريف دمشق، الغوطة، القلمون، وحلب)، وأنّ معظم الأهالي المهجرين جاؤوا إلى المنطقة دون غطاء طبي بشري؛ ما جعل حجم المتطلبات مضاعف.
وهي مشاكل يعبر عنها د. مهيب قدور، مدير مشفى أطمة الخيري، بالقول: "الوضع كان سيء جدًا قبل الزلزال، والمنطقة قبل الثورة كانت مهمشة للغاية، والخدمات الصحية كانت متمركزة في حلب ودمشق"، وأنّ "نشأة المشافي الميدانية كاستجابة لحالة الطوارئ ومن ثم تم تطويرها كمنظومة شبكة صحية مديرية صحة ونقابة أطباء وخلقنا منظومة حوكمة طبية بعض الشيء".
من بين الأسباب التي أدت إلى تدهور القطاع الصحي حسب الدكتور قدور، هو "هجرة الكوادر الطبية التي تم تهجيرهم من مناطق متفرقة من سوريا، وبالتالي استقبل الشمال السوري مهجرين من دون كوادر طبية، ومن ثم المشاكل الأخرى المتعلقة بالأمراض السارية؛ وخاصة كورونا الذي أدى إلى هزات في القطاع الصحي؛ المشكّل على أساس الاستجابة ضد الكوارث بسبب القصف وليس ضد الأمراض السارية".
ولفت إلى أنّ "القطاع الصحي عاني من مشاكل كثيرة في حوكمة هذه الأجسام من تضارب مصالح مع السلطات القديمة والجديدة ومع المنظمات الداعمة؛ التي كان من الممكن أن يكون لكل منها وجهة نظر في آلية تقديم الدعم، وبالتالي دخل القطاع الصحي في قضية لا حصرية المسؤولية في الخدمة الطبية".
ويبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية كانت واحدة من بين أسباب خفض الدعم، حيث عدلت العديد من الدول الأوروبية أولوياتها في الدعم إلى أوكرانيا، وكذلك تعدد قوى الأمر الواقع التي سيطرت على المنطقة وكان آخرها "هيئة الشام"؛ ما أدى إلى إحجام عدد من الدول عن دعم القطاع الصحي من بينها السعودية والكويت وغيرها، كما أنّ وباء "كورونا" أثرّ على منظومة الدول الداعمة، فيما لم تكن دولة الإمارات منذ البداية متحمسة لدعم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
الأمم المتحدة أيضاً خفضت الدعم لما يقرب من 30%؛ بسبب وجود أسواق جديدة للعمل الخيري؛ ما أدى لإغلاق عدد من المنشآت الطبية وتسريح عدد من العاملين فيها حسب الدكتور قدور.


مشافي ريف حلب الشمالي ما بين تركيا والمنظمات
يوجد في ريف حلب الشمالي نوعان من المنشآت الطبية، الأول من المعروف عنها في أوساط السكان بـ "المشافي التركية"؛ وهي التي تدار بالتعاون ما بين المجالس المحلية ووزارة الصحة التركية؛ وتتبع إلى المشفى المركزي في الولاية الأقرب.
وهي مشافي: "مارع، الباب، أعزاز، سجو، الراعي، جرابلس وعفرين"، وتحتوي تقريبًا على 805 أسرة، ويديرها طبيبان أحدهما سوري والآخر تركي؛ لكن القرار للأخير؛ وفيها توفر للمستلزمات الطبية؛ لكنها تشتكي دائمًا من كثرة عدد المراجعين بالمقارنة مع الكادر، ويتفاوت حجم الرواتب والأجور فيها بين الموظفين السوريين والأتراك بشكلّ كبير لتصل علاوة الطبيب التركي عن نظيره التركي إلى أكثر من 100%.
أما النوع الثاني من المنشآت الصحية فتتبع لوزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، وتديرها مديرية الصحة بالتعاون مع المنظمات الناشطة في الشأن الطبي؛ إذ يصل عدد أسرتها إلى نحو 400 سرير، وواقعها يماثل الواقع في ريف إدلب، إذ استقبلت إلى جانب مشفى عفرين عددًا كبيرًا من متضرري الزلزال وقدمت لهم الرعاية الطبية والإسعافية المطلوبة.
وذكر مدير الطوارئ أن "المنظمة طلبت المزيد من الإمدادات الطبية، لكنها تحتاج أيضًا إلى معدات حيوية، مثل الأشعة السينية وأجهزة التصوير المقطعي المحوسب"، فيما تشير مصادر طبية متقاطعة لـ "روزنة" إلى حاجة القطاع الصحي لعملية تجديد في البنية التحتية والأجهزة التي أنهكتها الحرب واستنفذت قدرتها التشغيلية.
بحسب عدد من الفاعلين في الشأن الطبي، هناك وعود مقدمة من بعض الجهات الداعمة السابقة للقطاع الطبي بإعادة النظر بشأن قيمة التمويل المخفض وتقديم المساعدات خلال الفترة القادمة.
وريثما تجد هذه الوعود طريقها للتنفيذ بعيدًا عن البيروقراطية الادارية، وإمكانية الوفاء بها أصلًا، أعلن رسمياً عن وفاة شخصين بعد إصابتهما بالكوليرا حسب ما أعلنت شبكة الإنذار المبكر و الاستجابة الوبائية، إذ كان من المفترض توزيع اللقاح قبل الـ 8 من شهر آذار/ مارس الجاري.
وهذا يعني تحد جديد للقطاع الطبي في شمال غرب السوري وأن معاناته ستتضاعف خلال فترة الاستشفاء التي تلي الزلزال؛ يضاف إليها جملة تعقيدات خارجية مرتبط بالواقع السياسي، بسبب ربط الملف بالتفويض الأممي المتعلق بتقديم المساعدات عبر الحدود؛ والذي غالبًا ما يخضع للابتزاز الروسي، والتغيرات الإقليمية والدولية؛ ما يعني أنّ المرحلة القادمة ستكون أكثر غموضًا في ضوء التقارب العربي مع النظام السوري وتغير المقاربة التركية للملف؛ وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول مستقبل الدعم للقطاع الطبي ومدى ارتهانه لتلك المتغيرات؟!