
غياب الخدمات العامة في سوريا يزيد نسب التحرش بالنساء
علياء أحمد
قلة توافر الخدمات العامة في سوريا ترفع من نسبة تعرض النساء للتحرش، سواء في وسائل النقل العامة والخاصة، أو حتى في الشوارع والأحياء عند المساء.
مع اشتداد أزمة النقل شهر كانون الأول من العام الفائت، كانت سمية 23 عاماً وهي طالبة هندسة اتصالات في جامعة تشرين، تضطر للجلوس مع أربعة آخرين في مقعد لا يتسع سوى لثلاث أشخاص في باص اللاذقية جبلة.
في المقعد المكتظ لاحظت الشابة العشرينية أن زميلها في المقعد، يحاول عمداً النفخ في أذنها، بينما كانا متلاحمين تماماً من ضيق كراسي الحافلة.
حاولت بادئ الأمر أن تقنع نفسها بأنها تتوهم، قبل أن يباغتها بلمس شعرها، والهمس في أذنها أنها "سكسية كتير".
لم تبادر الشابة العشرينية للصراخ في وجهه أو تأنيبه، بل اكتفت بالطلب إلى سائق الباص بالتوقف لتنزل في منتصف المسافة إلى منزلها تقريباً، لتهرب من الموقف والمتحرش.
اضطرت للانتظار لنحو أكثر من ساعة حتى وجدت باصاً يقلّها إلى وجهتها، لكن هذه المرة طلبت الجلوس إلى جانب سيدة، واستجاب السائق والركاب لطلبها الذي بدا غريباً بالنسبة لهما.
طلبها لم يلق الارتياح من قبل باقي الركاب، حيث غطى تأففهم على صوت المحرك المهترئ من استخدام المازوت، ومن الخلف جاءها صوت أحدهم: "منيح يلي صرلك مقعد ولسه بدك تدللي وتتشرطي".
ما جرى مع سمية يعتبر صورة حية عما تعانيه النساء، فهي لم تمتلك الجرأة لتصرخ بوجه المتحرش ليقينها بأن المجتمع لن ينصفها، ومن جهة ثانية لم تسلم من المجتمع ذاته حين قررت تحاشي الوقوع بموقف مشابه.
استغلال السائقين
يصر بعض السائقين على استغلال أزمة النقل بكل الوسائل المتاحة لهم، سواء مادياً أو حتى جنسياً بعض الشيء إن جاز التعبير.
وكثير من سائقي الباصات التي تتسع لـ14 راكباً(اثنان بالقرب من السائق والباقي خلفه) يلجؤون إلى قفل الباب الأمامي قرب السائق أمام الركاب الرجال، وفتحه فقط حين تتقدم "صبية جميلة"، لتجلس جنباً إلى جنب مع السائق.
تعرضت ديمة 32 عاماً لذلك الموقف، الموظفة الحكومية كانت قد أمضت أكثر من ساعة بقليل، وهي تركض في الكراج الشرقي لمدينة اللاذقية، بحثاً عن مقعد في أحد الباصات القليلة إلى قريتها النائية.
بعد كل هذا الوقت تقدم باص بالقرب منها ونادى على ركاب قريتها، وحين ركضت كانت المقاعد الخلفية قد شُغلت بالكامل، ليفتح السائق لها الباب الأمامي ويقول لها: "تفضلي".
ورغم علمها بأن الجلوس في المقعد الأول سيسبب لها الكثير من "القيل والقال" في قريتها، إلا أنها وافقت وصعدت، وفي الطريق إلى قريتها والبالغ نحو 15 كم تقريباً.
في كل مرة كان يعمل فيها السائق على تغيير السرعة كان يضرب ركبتها بيده ثم يعتذر منها ويخبرها أنه لم ينتبه، تقول: " كانت نظراته بشعة مع ايحاءات جنسية، فضلت ادعاء عدم فهمها حتى وصلت في النهاية بأقل الخسائر" الممكنة".
وتدفع النساء الثمن الأكبر نتيجة أزمة النقل، التي عجزت الجهات المعنية عن حلّها، لتواجه كثر منهنّ التحرش، وتقابله بالصمت خوفاً وتجنباً للفضيحة، في بلد لا تدعم قوانينه النساء ضد التحرش.

غياب الكهرباء يزيد حوادث التحرش
كانت كارول 26 عاماً، تسير مع صديقاتها في الشارع المؤدي إلى كورنيش جبلة، بينما يستخدمنّ أضواء جوالاتهنّ لرؤية الطريق أمامهنّ، كون الكهرباء تغيب معظم الوقت عن المدينة.
في منتصف الشارع اقتربت "شلّة زعران"، كما تصفهم الشابة العشرينية، وبدأوا بملاحقة الفتيات مع التلفظ بعبارات جنسية مثل: "يسلملي الصدر يلي طالع نصو".
تضيف كارول: "كان الطريق مايزال بعيداً حتى نصل وجهتنا، لكننا خفنا كثيراً، خصوصاً أن الزعران كان من الواضح أنهم "محبحبين" (مصطلح يطلق على من يتعاطى المخدرات)، لذا دخلنا إلى بقالية بسرعة".
داخل البقالية استغرب البائع ذعر الفتيات الـ4، وسألهنّ ليخبرنه بما جرى لهنّ، تقول كارول، إنه عاتبهنّ على ملابسهنّ، وعلى خروجهنّ في هذا الوقت، رغم أن الساعة لم تكن أصبحت العاشرة مساء بعد.
تقول الشابة: "نهرّ البائع الزعران في الخارج وهددهم بالشرطة، ثم أتى إلينا ينصحنا بأن الدنيا مو أمان، ولا يجوز أن نخرج بملابس مكشوفة، ولا أن نمشي في الشوارع بدون رجل"!.
وتغيب الكهرباء عن الشوارع والأحياء مساء، ومعها تغيب الإنارة، إذ أن إنارة الطاقة الشمسية لا تتوافر في كل الأمكنة.
على باب الفرن
يلحق التحرش بالنساء حتى على باب الفرن، فمنذ بدء أزمة الخبز وتقنينه قبل نحو الثلاثة أعوام، وإلغاء بيعه لدى المعتمدين، والناس تتزاحم صباحاً على باب الفرن للحصول على الخبز.
غالباً ما يكون هناك صفين اثنين، الأول طابور للنساء والثاني طابور للرجال، إلا أنهما متلاحمين تماماً، وغالباً ما تحدث حوادث التحرش خلال التدافع، بذريعة الحصول على ربطة الخبز.
لا تنسى ولاء 34 عاماً، ما حدث في شهر أيار من العام الفائت، حين أقدم شخص يقارب عمره الستين عاماً بالنظر إليها نظرات غير جيدة كما تصفها، بينما كان يتجاوران في الطابور على الفرن، قبل أن يفتعل مشكلة ويقرر مغادرة صفه مخترقاً صفّ النساء، ليمرّ من ورائها، ويلمس مؤخرتها بعضوه الذكري.
تضيف ولاء: "كنت مذهولة تماماً بينما بقيّ نحو الدقيقة وهو يفعل ذلك من خلفي، بينما يصرخ على البائع، مستخدماً الصراخ كذريعة ليتابع التحرش بي، حينها دفعته عني وصرخت في وجهه وأنا أبكي".
حين انتبه الحاضرون إلى الموقف أقدموا على ضرب الرجل وطرده، الشابة تضيف: "من يومها لم أقم بشراء الخبز، وتركت المهمة لزوجي بعد أن أخبرته بما جرى لكني لم أقل له أني كنت الضحية".
لدى سؤال ولاء لماذا أخفت الأمر عن زوجها، قالت إنها لا تعرف، ربما خافت أو خجلت من الموقف، رغم إدراكها أنها مجرد ضحية ولا ذنب لها.

القانون لا يحمي الضحية
للأسف لا يوجد في القانون السوري أي وصف لجريمة التحرش، بل هناك ما يسمى التعرض للآداب العامة، وتقول المادة 505 من قانون العقوبات، أن كل من لمس أو داعب بصورة منافية، امرأة أو قاصراً، تبلغ من العمر أكثر من 15 عاماً، دون رضاها، يُعاقب بالحبس بين سنة وسنة ونصف، بينما تقول المادة 506، إن من يتحرش لفظياً بامرأة يعاقب بغرامة قيمتها 75 ليرة سورية!.
يقول سعد الدين 52 عاماً وهو محامي يمتلك مكتباً في محافظة طرطوس، إن هناك الكثير من الطرق للالتفاف على هذا القانون، خصوصاً أنه يصعب على المرأة إثبات أنها تعرضت للتحرش دون رضاها، وبالتالي قد تتحول القضية بطريقة معاكسة، ويشتكي المتحرش عليها بتهمة الادعاء الكاذب، وأضاف أن القانون يجب أن يعدل على الفور وتذكر فيه جريمة التحرش بشكل واضح وصريح.
ويضيف المحامي، أن القوانين بحاجة إلى تطوير وتسمية التحرش كجريمة، ووضع عقوبات رادعة تضمن حق الضحية، وبالتوازي مع ذلك يقول المحامي، إن على المجتمع توعية النساء أكثر ومنحهنّ الدعم الكامل لفضح المتحرش وتقديم شكوى بحقه.
ويستطيع أي شخص تقديم شكوى ضد المتحرش، بحال كان شاهداً على التحرش بقاصر، بينما في حال كانت الضحية فوق الـ18 عاماً، فإنها الوحيدة المخولة بتقديم شكوى، كما يقول سعد الدين، ويضيف، أنه من النادر جداً أن يقدم أحد على تقديم مثل هذه الشكوى بحال كان شاهداً على الحادثة فقط، لاعتبارات كثيرة، أولها الخوف من المتحرش بوصفه شخصاً مسيئاً من جهة، ومن جهة ثانية الانفلات الأمني حالياً يبث الرعب بين الجميع، ويجعل الغالبية يحجمون عن زج أنفسهم بأي نوع من المشاكل مخافة الثأر.
لا يوجد إحصائية عن عدد جرائم التحرش أو ما يسمى التعرض للآداب العامة وخدش الحياء في سوريا، لكن يؤكد 4 محامون ومحاميات من اللاذقية سألتهم روزنة، أنهم لم يشهدوا تقديم مثل هذه الشكوى، منذ بدء العام الجاري، مؤكدين أن السبب الخوف وعدم الرغبة "بالفضيحة" على حد تعبير اثنين منهم.