
قانون العمل السوري"قنبلة موقوتة" في وجه موظفي القطاع العام
اعداد: صبا حسن
"حاجتك لمهنة ثانية، أو ثالثة، كموظف في القطاع العام، تجعلك عرضة للاستغلال، فزيادة البطالة وقلة فرص العمل، تجبرك على دفع (الإكراميات) لمدراءك في العمل حتى تشتري بعض الوقت الحرّ أو للتستر عليك أو منحك إذن عمل، وتستغله في المواءمة بين وظيفتك العامة وعملك في القطاع الخاص.. إننا نشتري الوقت لنعمل ونعيش" تقول لمى.
تعمل لمى، ٣٠ عاماً، بوظيفة ثانية إلى جانب وظيفتها الحكوميّة التي حصلت عليها بموجب عقد سنوي مع القطاع العام.
وحال لمى هو حال الكثيرين من موظفي القطاع العام الذين يضطرون إلى دفع الرشاوي لـ" تفييشهم" أو "غض النظر عن غيابهم عن العمل"، حتى يتمكنوا من الجمع بين وظيفتين.
فالقانون السوري يمنع أي موظف عن العمل خارج دوامه الأساسي دون الحصول على إذن من مؤسسته، وهو بهذا يُفسح المجال أمام استغلال مزدوجي الوظيفة.
غياب تنظيم سوق العمل يفتح الأبواب على مصراعيها أمام لفساد الإداري والاستغلال والإنتهاكات، على الرغم من سريان قانون العمل في سوريا على جميع المؤسسات باختلافها.
كما أن أحكام قانون العمل رقم 17 لعام 2010 تسري على علاقات العمل في القطاع الخاص والشركات العربية الاتحادية والأجنبية والقطاع التعاوني والقطاع المشترك غير المشمول بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة.
يحظر على العامل: ب - العمل لدى الغير بدون موافقة صاحب العمل سواء بأجر أو دون أجر.
وتحظر المادة 96 من القانون 17 لعام 2010 على العامل أيضاً العمل لمصلحة الغير بما لا يتفق مع كرامة العمل أو يُمكّن الغير أو يُساعده للتعرف على أسرار المنشأة أو منافسة صاحب العمل، أو ممارسة نشاط مماثل للنشاط الذي يمارسه صاحب العمل أثناء مدة سريان عقده أو الاشتراك في نشاط من هذا القبيل سواء ً ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.
معدلات الفقر إلى حدود غير مسبوقة
تقول لمى: "كلما طالبت بزيادة أجرتي في عملي الخاص، كان طلبي يقابل بالرفض، لا أملك خياراً أفضل وسط هوامش العمل التي تضيق يوماً بعد آخر، وسوء الوضع الاقتصادي يدفعني للبحث عن وظيفة ثانية، وثالثة، حتى أتمكن من العيش بحياة كريمة".
أصدر بشار الأسد 3 مراسيم في الآونة الأخيرة لرفع الأجور، ولكن قيمة الرواتب في سوريا بقيت تتهاوى مع كل ارتفاع لسعر الدولار الأمريكي.
تحتل سوريا المرتبة الأخيرة ضمن قائمة الدول الأقل دخلاً، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجر في سوريا أقل من 93000 ليرة سوريّة (أي أقل من 15 دولار وفق سعر الصرف الحالي)، وهذا ما يُجبر معظم السوريين على الجمع بين عملين أو أكثر.
وقد تجاوز سعر صرف الدولار الأمريكي لليرة السورية في السوق السوداء لـ6500 ليرة سوريا في الوقت الذي يحافظ البنك المركزي السوري 4500 ليرة حتى ساعة إعداد المادة.
غض نظر غير قانوني
في غياب الدخل الذي يضمن حياةً كريمةً لمواطني البلاد، تبدو قوانين العمل قاصرة، ومتناقضة مع المادة 40 في الدستور السوري، التي تنصّ على أن" لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على أن لا يقل عن الحدّ الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيّرها".
فالسلطات الإدارية في دمشق تراقب وتتجاهل بشكل مقصود مقصود ظاهرة تنامي الازدواج الوظيفي منذ سنوات طويلة، وإن ارتفعت وتيرتها خلال السنوات العشر الأخيرة.
ورغم التعديلات التي طرأت على بعض بنود قانون العمل خلال السنوات السابقة، لكن هذه التعديلات لم تتطرق إلى العقوبات المسلكية تجاه أي موظف يعمل دون إذن المسؤولين عنه في العمل.
يحدد قانون العمل رقم 17 لعام 2010، تُحدد الجزاءات التي يجوز فرضها على العامل، في حال مخالفته لواجباته، في هذا القانون أو في عقد العمل أو النظام الداخلي للعمل.
تُحدد الجزاءات التي يجوز فرضها على العامل على الشكل التالي :
أ - التنبيه.
ب - الإنذار الكتابي.
ج - حسم أجر يوم واحد.
د - الحسم من الأجر الأساسي بما لا يزيد على أجر خمسة أيام عمل عن المخالفة الواحدة شريطة ألا يقتطع من أجر العامل وفاءً للجزاءات التي توقع عليه أكثر من أجر خمسة أيام في الشهر الواحد .
هـ - تأخير موعد استحقاق علاوة الترفيع الدوري لمدة لا تزيد على سنة.
و- الحرمان من علاوة الترفيع الدورية.
ز- الفصل من الخدمة وفقاً لأحكام هذا القانون.

في عام 2021 زعم أحد المواقع الاخبارية أن رئاسة الحكومة بدمشق تنوي ملاحقة الموظفين الذين يعملون بدوام إضافي، وكانت هذه الشائعة بمثابة ناقوس خطر على معظمهم.
لتعود الهيئة وتنفي الأمر على لسان معاون رئيس الهيئة العامة للرقابة والتفتيش هيثم كبول في إحدى المقابلات الإعلامية.
ما يؤكد غض نظر السلطات الرسمية عن المتجاوزين لقانون العمل.
لا تحرّكات نقابيّة لتعديل القوانين
لم تشهد سوريا منذ السبيعينات أي تحرك نقابي باتجاه تعديل قانون العمل، وبالأخص المادة التي تجيز الجمع بين عملين دون إذن صاحب العمل.
لكن الفضاء الالكتروني خلق مساحة جديدة للسوريين من أجل التواصل والتحشيد وتبادل الآراء ووجهات النظر، فخرجت بعض الأصوات التي تطالب بتعديل تلك القوانين، بسبب الظروف الإقتصاديّة التي تجبر السواد الأعظم من السوريين على الجمع بين عملين، أو ثلاثة، ولو كان ذلك خارج الأطر القانونيّة.
من هنا، قرّر شادي، ٣٧ عاماً، و هو مهندس وناشط اجتماعي، تأسيس مجموعة على فيسبوك تضم المهندسين النقابيين، لتكون بمثابة مساحة افتراضية لهم، تمنكهم من مناقشة مطالبهم لرفعها إلى مجلس النقابة.
في البداية تجاهلت النقابة الأمر، ولكنها سرعان ما منعت إنشاء أي مجموعة الكترونية عبر منصات التواصل الاجتماعي باسم المهندسين إلا بموافقتها.
" هذا القرار يناقض روح العمل النقابي الذي يستمد شرعيته من الاستماع لأصوات النقابيين بدل السعي لكمّ أفواههم.
التحايل عمره قصير
على مدار سنوات، تحايل أحمد، ٤٦ عاماً على القانون لتحسين دخله، وعمل متعهداً في القطاع الخاص بشكل سري، لكن الأمر لم يفلح طويلاً.
"تمنعني القوانين، كمهندس في القطاع العام، من العمل بدوام إضافي مأجور في القطاع الخاص. وبعد 20 عام، كان قرار الاستقالة هو الحل"، يقول أحمد.
ويضيف :"ساعدني العمل في مشاريع القطاع العام على اكتساب بعض الخبرات، وعملت بجهد ذاتي على تطوير نفسي، وصار هدفي أن يكون لي مكتبي الهندسي الخاص، لكن القانون كان ضدي".

الأجهزة الأمنية تتحكم بقرارات الاستقالة
هاني، موظف ثلاثيني يعمل في القطاع العام، في كلّ مرة يتقدّم فيها بطلب للحصولِ على إذن للعمل في القطاع الخاص يُقابل بالرفض، بسبب تخوف المسؤولين في عمله الخاص من أي مسؤوليات قانونية قد تترتب عليها.
ويُضيف :"عدم كفاية الدخل، أجبرت الكثير من موظفي القطاع العام على الاستقالة".
"لقد رُفضت استقالتي مرتين، قبل أن اضطر لدفع المال للحصول عليها في المرة الثالثة".
في عام 2016 و بتعميم صادر عن مجلس الوزراء بدمشق، اشترط للموافقة على طلبات الاستقالة حصول الموظفين على موافقة مكتب الأمن الوطني، والتأكد من عدم حاجة الجهة العامة للعامل.
و في تصريحٍ لجريدة تشرين الرسمية، نُشر في أيلول الماضي، كشف رئيس اتحاد عمال اللاذقية منعم عثمان، بأن أغلبية طلبات الاستقالة لم يوافق عليها، بسبب حاجة الجهة العامة لخدمات العمال الموجودين لديها.
تزداد الاحتياجات الانسانية في سوريا سوءاً مع تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية والصحية، حيث يصل عدد المحتاجين إلى مساعدة صحية نحو أكثر من 15 مليون شخص مع توقعات بارتفاع هذا العدد، حسب نجاة رشدي نائبة المبعوث الأممي إلى سوريا.
60 بالمئة من السكان السوريين يعانون الآن انعدام الأمن الغذائي"، بناءً على نتائج تقييم وطني في أواخر عام 2020.
يعيش أكثر من 90% من السكان في سورية تحت خط الفقر حسب تقديرات الأمم المتحدة، وهي نسبة أكدها مدير "مكتب الإحصاء المركزي" السابق شفيق عربش في مقابلة اعلامية العام الماضي قائلاً: "أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 في المئة بين عامي 2020 و2021 وفقاً لإحصائيات رسمية".
وبينما يصارع الانسان السوري للبقاء على قيد الحياة، يغيب المشرع عن كفالة حق الموظف من خلال تعديل التشريعات والقوانين كي تحمي حقه بتأمين حياة كريمة في ظل غياب كامل للدولة.
* أشرفت على انجاز المادة لجين حاج يوسف، وأُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيات وصحافيين من سوريا من تنظيم "أوان" وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي International Media Support"