
السفارة السورية في بيروت.. تواطؤ بين الموظفين والسماسرة لاحتكار جواز السفر
بيروت- حبيب شحادة
في 9 تشرين أول/أكتوبر الجاري، أعلنت السفارة السورية في بيروت استئنافها إصدار جوازات السفر بالدور العادي فقط، وبعد أقل من أسبوع على هذا الإعلان، تفاجأ مهندس المعلوماتية غزوان البشير، 38 عاماً، بوصول مواعيد الحجز على موقع السفارة إلى ما بعد العاشر من شهر كانون الثاني/يناير العام المقبل 2024.
ويكشف هذا التقرير من خلال البحث والاستقصاء أنَّ موظفي السفارة يحتكرون مواعيد الحجز ومدى توفرها على موقع السفارة بالتواطؤ مع سماسرة ينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي ويستخرجون جوازات بلا حجز مواعيد. وهو ما أكده سماسرة لـ "روزنة" تواصل معهم معد المادة وحصل منهم على صور توثَّق استخراج جوازات سفر خلال شهر تشرين أول/أكتوبر الجاري بدون حجز موعد على موقع السفارة لعدم توفر الحجز.
كما أكد بعض السماسرة الذين التقتهم "روزنة" أن الجزء الأكبر من تكلفة استخراج جواز السفر عن طريقهم تذهب لموظفي السفارة وأنهم يحصلون على "قروش". عدا عن أن مواعيد الحجز قد تكون متاحة في بعض الأيام خلال أشهر (تشرين الثاني، وكانون الأول والثاني) نتيجة التلاعب بها من قبل موظفي السفارة.
لا مواعيد قريبه للحجز
ما يحدث "تواطؤ من موظفي السفارة مع سماسرة متعاونين معهم بما يشبه عقود عمل سرية لكسب المزيد من المال على حساب السوريين في بيروت"، كما قال البشير، لافتاً في حديثه لـ "روزنة"، إلى حاجته لجواز السفر للانتقال إلى أربيل حيث يعمل الآن مع شركة برمجية عن بعد، عدا عن تزايد العنصرية تجاه السوريين في لبنان.
حالة البشير تمثل معاناة غالبية السوريين في بيروت الذين كانوا ينتظرون استئناف إصدار الجوازات من السفارة للتخلص من السمسرة وتبعاتها المكلفة، لكنهم تفاجئوا بعدم وجود مواعيد للحجز على موقع السفارة حتى العاشر من شهر كانون الثاني/يناير عام 2024. مع توقع استمرار عدم توفر مواعيد للحجز في الأشهر المقبلة جراء حجزها من قبل سماسرة متعاونين مع موظفين داخل السفارة بحسب ما رصدته "روزنة".

راجعنا الموقع بعد 3 أيام، ليصبح الموعد المتاح حتى تاريخ الـ 16 كانون الثاني 2024.

وخلال السنوات السابقة عانى البشير، من عدم قدرته على استخراج جواز سفر نتيجة حصر إصدار الجوازات في السفارة بالدور المستعجل فقط بتكلفة تصل إلى 825 دولار أمريكي، ومع ذلك، لم يتمكن البشير من الحصول على جواز سفر، "من دون سمسار وواسطة ودفع ما يقارب الـ 1500 دولار لا يمكن استخراج جواز سفر بطريقة سلسلة"، قال البشير لـ "روزنة".
وكانت السفارة السورية في بيروت توقفت عن استلام طلبات إصدار جوازات السفر بالدور العادي والمستعجل اعتباراً من تاريخ 31 آب/أغسطس الفائت حتى إشعار آخر، كما أعلنت على صفحتها في موقع فيسبوك، -رغم عدم توفر استخراج جواز سفر بالدور العادي حينها-.
وبعد هذا التوقف لأكثر من شهر، استأنفت السفارة السورية في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري إصدار الجوازات ضمن الدور العادي فقط، وذلك من خلال حجز موعد مسبق على موقع السفارة. وتبلغ تكلفة جواز السفر ضمن الدور العادي 300 دولار أمريكي، مضافاً إليها 25 دولار رسم تسجيل قنصلي، و825 دولار للجواز بشكل فوري ومستعجل، لكنه غير متاح الآن.
وفي نهاية شهر آب/أغسطس بدأت حكومة دمشق إصدار جواز إلكتروني جديد، وهو عبارة عن دفتر ورقي عادي لكنه مزوّد بشريحة إلكترونية تخزّن البيانات الوصفية والمعلومات الخاصة بحامله.
حجز مواعيد محصور بالسماسرة
تزامن استئناف إصدار جوازات السفر من سفارة بيروت مع انتشار سماسرة على وسائل التواصل الاجتماعي يحجزون المواعيد بالتعاون مع موظفين في السفارة ويدعون قدرتهم على استخراج جواز السفر بدون حجز موعد مقابل مبالغ تتراوح بين 700 و1000 دولار على أن يسلم الجواز خلال 21 يوماً.
ويتصيد هؤلاء السماسرة زبائنهم عبر مجموعات الفيسبوك الخاصة بالسوريين، ويعرضون خدماتهم على الراغبين بالحصول على جوازات سفر، ويدعون تسهيل أمور من يريد استخراج جواز سفر لكن مقابل مبالغ تبلغ ضعف قيمة الجواز وأحياناً أكثر، كما قال سمسار يدعى علي العبود، لـ "روزنة".

وأضاف العبود، أنَّه يستطيع استخراج جواز سفر بدون حجز موعد مقابل 700 دولار لكل جواز سفر متضمنة الرسوم بينما تكلفته الرسمية 325 دولار، قائلاً: "نؤمن دخول فوري للسفارة وبدون حجز موعد شرط امتلاك الشخص هوية شخصية ثم يبصم على الجواز ويدفع رسومه في السفارة 325 دولار، وعندما يخرج يدفع لنا بقية المبلغ، أي 375 دولار".
يؤكد سماسرة أن مدة استلام جواز السفر لديهم 21 يوماً من تاريخ تقديم الطلب، وفقاً لـ العبود، مضيفاً أنَّ نصيبهم من السمسرة "قروش" أي نسبتهم قليلة، والنسبة الأكبر تذهب لموظفي السفارة، بينما يحتاج من نجح في حجز موعد على موقع السفارة وتقدم للحصول على جواز سفر إلى شهر أو أكثر حتى يستلم جوازه.
آلية إصدار جواز بدون حجز موعد؟
ينسق هؤلاء السماسرة آلية استخراج جواز سفر بدون حجز موعد مسبق بالتعاون مع موظفي السفارة عبر إرسال الشخص الذي يريد استصدار جواز سفر صورة عن هويته للسمسار الذي يرسلها بدوره لموظف السفارة كي يضع اسمه على باب السفارة، وهو ما يؤكده سمسار يدعى يحيى، تواصل معه معد المادة عبر تطبيق الواتساب مدعيا أنه يريد الحصول على حجز لاستصدار جواز سفر، إذ قال يحيى: "نحن نؤمن لك حجز وندخلك وفي شب بالسفارة بيدخلك لجوا نظامي وتبصم بإيدك وتستلم الوصل".
موظفي السفارة.. معاملة سيئة
لا تقتصر معاناة السوريين مع السماسرة فقط، وإنما تتجاوزها إلى سوء معاملة وطلب رشاوي علناً من المراجعين على باب السفارة بحجة أن موظفي الباب وعددهم اثنين يخدمون المراجعين بالسماح لهم بالدخول رغم حجزهم موعداً مسبقاً، كما قال حمزة الوليد، 41عاماً لـ "روزنة".
وفيما فشل الكثير من السوريين في حجز موعداً لاستصدار جواز السفر جراء عدم توفر المواعيد لما بعد العاشر من كانون الثاني/يناير، وهو ما أوقعهم تحت رحمة السماسرة، كان حمزة قد استطاع حجز موعد لاستصدار جواز سفر خلال شهر تشرين أول/أكتوبر الجاري فوراً بعد يوم واحد من استئناف إصدار الجوازات، كما قال لـ "روزنة".
وأوضح الوليد، أنَّه عندما ذهب إلى السفارة وفقاً لموعده في 16 تشرين أول/أكتوبر الجاري، ولدى ابرازه ورقة حجز الموعد لموظف الباب طلب منه علناً رشوةً لتسهيل أموره، "رح دخلك وسهَّلك أمورك وبس تطلع لا تنساني"، قال له الموظف.
وفي الوقت الذي أنجز فيه الوليد طلب الحصول على جواز سفر وينتظر استلامه بعد أكثر من شهر، ما زال البشير غير مقتنع بامتلاء مواعيد الحجز حتى العام القادم 2024، قائلاً: "ما معقول في أسبوع واحد اختفت المواعيد من موقع السفارة لمدة 3 أشهر"، لافتاً إلى أنه اضطر لحجز موعد في 16 كانون الثاني/يناير المقبل للحصول على جواز سفر ضمن الدور العادي وبدون اللجوء إلى السماسرة الذين يستغلون حاجة السوري لجواز السفر.

نموذج من عمل السماسرة لحجز جواز بدون حجز موعد في 19 و13 و20 تشرين أول
نموذج من عمل السماسرة لحجز جواز بدون حجز موعد في 19 و13 و20 تشرين أول