"السلة الرمضانية": جودة منخفضة وسط عدم تناسب مكوناتها وسعرها المعادل لراتب موظف حكومي

  حبيب شحادة 

"ليس لها داعي"، عبارة علَّقت بها أم وليد (48 عاماً) التي تعمل موظفة حكومية، على طرح السورية للتجارة سلة رمضانية بقيمة 99 ألف ليرة. 

تقول أم وليد (48 عاما) وهي تسكن في حي باب سريجة الدمشقي لـ "روزنة" "لست مضطرة لدفع هذا المبلغ دفعة واحدة"، مشيرةً إلى أن هناك بعض المكونات ضمن السلة لا تستخدمها كالسمنة مثلاً، والرز الذي تحصل عليه من مخصصاتها عبر البطاقة الذكية أو من خلال الجمعيات الخيرية.   

وتضيف، سابقاً كنا نؤمن مؤونة رمضان قبل قدومه، أما اليوم "عايشين كل يوم بيومو"، حسب تعبيرها، جراء الغلاء وارتفاع الأسعار اليومي، ما جعلها تشتري حاجياتها اليومية فقط في ظل توفر مواد مشابهة لمكونات السلة وبجودة أفضل وسعر مقارب لسعر كل مادة بمفردها. 

حال أم وليد يكاد ينسحب على جميع أهالي دمشق، إذ بفيد عصام الخليل، وهو موظف متقاعد أنه يحتاج إلى 4 آلاف ليرة كي يتمكن من شراء هذه السلة، كون راتبه التقاعدي 95 ألف ليرة. مشيراً في حديثه لـ "روزنة" إلى "أن ما تقوم به وزارة التجارة الداخلية عبارة عن بيع الوهم للناس. بمعنى "نبيعكم بسعر مُخفَّض"، وفقاً لقوله. 

ويوضح الرجل السبعيني أن مكونات السلة لا تكفي عائلته سوى يومين وبمعدل وجبة واحدة في اليوم، وعليه يحتاج إلى 6 سلال، أي ما يعادل 600 ألف ليرة. "لو مكونات السلة بتكفي شهر كانت ممتازة بغض النظر عن جودتها، بس لا تكفي"، قال الخليل. 

سلة رمضانية مدعومة

مع بداية شهر رمضان أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن سلة غذائية بقيمة (99 ألف ليرة) للبيع المباشر عبر فروع السورية للتجارة طيلة أيام رمضان، ما أثار استياء سوريين في مناطق سيطرة النظام، لأن السلة لا تكفي أياماً في رمضان، وسعرها مرتفع مقارنة بدخل أغلب السكان، ومتقارب جداً من سعرها في السوق (119 ألف ليرة) عدا عن انخفاض جودة مكوناتها، كما قال عدد من سكان دمشق لـ "روزنة". 

وتتكون السلة كما طرحتها السورية للتجارة من 2 لتر زيت دوار الشمس، و1 كيلوغرام من السمنة النباتية، و3 كيلوغرام رز كبسة، و200 غرام شاي سوبر بيكو، و2 كيس شعيرية وزن 500 غرام، وعبوة واحدة من رب البندورة 1350 غراماً، وعبوة من مربى المشمش 430 غراماً.  

ويبلغ متوسط أسعار مكونات هذه السلة في الأسواق السورية حسب رصد "روزنة"، 17 ألف ليرة لكل لتر زيت نباتي، و18 ألف ليرة لكيلو السمن النباتي، و200 غرام من الشاي 12 ألف ليرة، وكيلو الرز 10 آلاف ليرة، والشعيرية 8 آلاف ليرة، وعلبة رب البندورة 8 آلاف ليرة، ومربى المشمش 9 آلاف ليرة. أي ما مجموعه 119 ألف ليرة. 

وهذه الأسعار لا تشكل فارقاً كبيراً عن سعر السلة التي طرحتها السورية للتجارة على أساس أنها مدعومة، وفقاً لكلام سالم، وهو موظف في صالة للسورية للتجارة بدمشق، والذي أكد أن نوعية مواد السلة أقل جودةً من مثيلاتها في السوق. 

ارتفاع سعر السلة 

وفي السياق، يؤكد سالم، لـ "روزنة" أن مكونات هذه السلة كانت تُباع بـ 88 ألف ليرة قبل أيام من شهر رمضان، مضيفاً أن وزارة التجارة الداخلية عممت على كافة صالاتها بطرح السلة في رمضان خارج البطاقة الذكية لكل السكان، ورفع سعرها إلى 99 ألف ليرة. 

ويشرح سالم، الذي طلب التعريف عنه باسم الأول فقط، أن السورية للتجارة فرضت هذا السعر دون توضيحها لسعر كل مادة على حدى، في محاولة منها للتمويه على سعرها الحقيقي وعلى مصدر مكونات مواد السلة، أن كانت مستوردة أو من مواد إغاثية. 

وبينما يعجز أغلب السوريين عن تأمين احتياجاتهم من المواد الغذائية والاستهلاكية وسط ارتفاع الأسعار وفشل حكومة النظام في ضبطها، جاءت فكرة السلة الرمضانية بحجة توفير المواد الغذائية المطلوبة في رمضان بسعر مناسب كما قال مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة بدمشق سامي هليل في تصريحات صحفية، لكن دون تحديده سعر كل مادة على حدى. 

وادعى "هليل" أن هناك إقبال كبير على شراء السلة الغذائية، التي بِيع منها 3000 سلة في أول يومين من رمضان، مشيراً إلى أن سعرها (99 ألف ليرة) أرخص بحوالي 20% عما يباع في الأسواق لنفس مكونات السلة بسعر يتجاوز 123 ألف ليرة، وأنه بامكان المواطن شراء أكثر من سلة. 

ويبلغ متوسط تكاليف معيشة أسرة مكوّنة من خمسة أفراد، وفقاً لـ"مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة" إلى 4 ملايين ليرة سورية (وصل الحد الأدنى لتكاليف المعيشة للأسرة السورية إلى 2,507,611 ليرة سورية). ويتسارع هذا الارتفاع في التكاليف وسط وقوع أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة. 

وتعيش مناطق سيطرة النظام ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وندرة في توفرها، وسط تردي الوضع الاقتصادي، وبقاء متوسط الرواتب والأجور على حاله منذ العام 2022، عند 120 ألف ليرة. 

سلل الأعوام السابقة

بدأت حكومة النظام بطرح السلة الرمضانية في العام 2021، إذ طرحت حينها سلتين غذائيتين الأولى بـ 25 ألف ليرة والثانية بـ 50 ألف ليرة. وتتكون الأولى من سمنة، ورز برتغالي، وسكر، وبرغل، وشعيرية، ومعكرونة، وعلبة رب البندورة، وخل، وعدس مجروش، وقمح، وملح ناعم.

والسلة الثانية بقيمة 50 ألف ليرة تتألف من ذات مكونات الأولى، مضافاً إليها بعض المواد وبحجم أكبر. 

بينما العام الفائت 2022، كان سعر السلة الأولى 53 ألف و500 ليرة. والثانية بسعر 80 ألف ليرة. وتتكون الأولى  من كيلو رز هندي وكيلو رز برتغالي. و2 كيلو برغل. و2 كيلو طحين و2 كيلو سكر. وعلبة رب البندورة 660 جرام وفول عبوة 380 غرام و1 ليتر زيت زيتون. وعلبة طون وعلبة سردين. وعلبة شاي 100 ظرف. و2 كيس ملح. والسلة الثانية تحتوي نفس المكونات بسعات أكبر. 

ويظهر هذا التفاوت السعري بين أسعار السلل الرمضانية خلال الثلاثة أعوام الأخيرة مدى التضخم الحاصل في أسعار السلع الغذائية جراء الانخفاض المستمر لقيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي. 

وعليه، اعترفت وزارة التجارة الداخلية بارتفاع الأسعار بنسبة 30-60%، عن رمضان العام الفائت 2022، وبررت ذلك بالعقوبات الاقتصادية على المصارف بما فيها البنك المركزي ما صعب عملية تمويل المستوردات وزاد من تكاليفها. 

وفي ظل تخلي حكومة النظام عن الدعم، تبقى هذه السلة الرمضانية التي ارتفع سعرها وقل عدد مكوناتها "مو للدراويش"، حسب تعبير أم وليد، التي ترفض شرائها لعدم تناسب مكوناتها وسعرها مع احتياجاتها وقدرتها المادية.