خفر السواحل الليبية الممولة من الاتحاد الأوروبي يتسبب بغرق آلاف المهاجرين

إيهاب زيدان - سلمى نصر الدين


28 ألف شخص سقطوا بين غريق ومفقود في البحر الأبيض المتوسط منذ 2014، خلال عمليات هجرة غير نظامية من الجنوب إلى الشمال، بحسب إحصائيات منظمة الهجرة الدولية، بينهم قرابة 5 آلاف لاجئ سوري على الأقل: 2000 غريق و3 آلاف مفقود تقريبا بحسب إحصائيات مشروع المهاجرين المفقودين التابع لمنظمة الهجرة بين عامي 2014 و2023. 

كان حسن يعمل طبيبا في ليبيا، قبل أن يتلقى تهديدات من بعض المليشيات في ليبيا اضطرته لاصطحاب زوجته وبناته الأربع داخل مركب لعبور البحر المتوسط وصولاً إلى أوروبا، بعدما فشل في السفر لأوروبا عبر الطيران، غير أنه فقد بناته الأربع خلال هذه الرحلة المريرة.

اضطر حسن وهو طبيب سوري مقيم في ليبيا، إلى الانفصال عن زوجته وبناته الأربع بعد الصعود على المركب، فجلس هو في قسم الرجال، بينما كان على الزوجة والفتيات الانتقال إلى مقصورة النساء.

بعد ساعتين من الإبحار فوجئوا بقارب على متنه مسلحين ليبيين وأطلقوا النيران على المركب ومن فيه، ما تسبب في جرح 3 أشخاص وتضرر المركب.

تسربت المياه إلى داخل القارب، ومع الأمواج العاتية لم يتمكن المركب من الصمود وغرق في المياه.

بعد ساعات وصلت قوارب خفر السواحل الإيطالي والمالطي وانتشل مجموعة منهم، كان بينهم حسن وزوجته، ولكن لم تنج أي من بناته الأربع: راندا، وشريهان، ونورهان وكريستينا.   

تصنف منظمة الهجرة الدولية منتصف البحر المتوسط بأنه أكثر طرق الهجرة خطورة حول العالم، بسبب كثرة عدد ضحاياه. التفتت أنظار العالم إلى خطورة الطريق تزامنا مع غرق قارب صيد متهالك قبالة سواحل اليونان، منتصف يونيو الماضي، قادما من طبرق الليبية وعلى متنه نحو 750 شخصا من جنسيات عدة بينهم سوريين، اُنتشلت جثامين 82 منهم ونجا 104 آخرين، وبقى 564 شخصا في عداد المفقودين.

غرق مراكب الهجرة غير النظامية في البحر المتوسط خلال السنوات الأخيرة حوادث متعمدة، بحسب أرشيف الأخبار المنشورة عن هذه الحوادث، وتتبع سياسات وقرارات الاتحاد الأوروبي الخاصة بملف الهجرة. 

في هذا التحقيق المدفوع بالبيانات نكشف كيف مول الاتحاد الأوروبي خفر السواحل الليبي لاعتراض مراكب الهجرة غير النظامية المتجهة إلى أوروبا، بالمخالفة لـ3 اتفاقيات دولية: اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS لعام 1982 والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحريين SAR  لعام 1979، والاتفاقية الدولية لحماية الحياة البشرية في البحر SOLAS لعام 1974، إضافة إلى مخالفته القانون الدولي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

صوحبت حملات توقيف المهاجرين التي يقودها خفر السواحل الليبي بممارسات لا إنسانية وانتهاكات بحق المهاجرين، دون اتخاذ إجراءات ناجعة، بل جددت أوروبا الاتفاق لـ3 سنوات إضافية عام 2020. 

الاعتراض بدلا عن الإنقاذ

كان الاتحاد الأوروبي يمول جهود إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط، وأنقذت السفن الإيطالية وحدها أكثر من 100 ألف شخص عامي 2013 و2014، ولكن مع توسع شعبية الأحزاب اليمنية المتطرفة ووصول بعضها للحكم خلال 2016، وارتفاع موجات العداء الداخلي ضد اللاجئين، انتهج الاتحاد الأوروبي سياسات معادية للاجئين في مقدمتها منع وصولهم إلى دوله، وأسندوا مسؤوليات مراقبة الحدود الجنوبية إلى خفر السواحل الليبي، بطلب من إيطاليا التي تعتبر واحدة من أكثر دول أوروبا استقبالا للمهاجرين غير النظاميين.

أبرم الاتفاق، فبراير 2017، بين فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية ممثلا عن حكومة الوفاق الليبي، وباولو جنتيلوني رئيس الوزراء الإيطالي، ونص الاتفاق على سريانه 3 سنوات تجدد تلقائيا ما لم يعترض أحد الطرفين على التجديد، قبل 3 أشهر من انتهاء سريان الاتفاق.. وعليه جُدد الاتفاق مرة أخرى عام 2020 لمدة 3 سنوات جديدة، بعد نجاح خفر السواحل الليبي في تقليص أعداد اللاجئين العابرين إلى أوروبا.  

دعم من أجل القتل ؟

نص الاتفاق على دعم إيطاليا للمؤسسات الأمنية والعسكرية الليبية من أجل القضاء على "المهاجرين غير الشرعيين"، وفقا لتوصيف الاتفاقية، وتوفير إيطاليا الدعم الفني والتكنولوجي للمؤسسات الليبية المكلفة بمكافحة "الهجرة غير الشرعية"، ممثلة في خفر السواحل الليبي، علاوة على استكمال نظام مراقبة الحدود الليبية، من أجل وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وتشييد مراكز لاستقبال المهاجرين داخل ليبيا. 

سياسات الاتحاد الأوروبي الجديدة خلفت آلاف الضحايا في البحر المتوسط بين غريق وفقيد، إضافة إلى عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين الذين سقطوا ضحايا لعصابات الإتجار بالبشر في ليبيا، وكان بينهم الطبيب حسن وحيد الذي فقد 4 من بناته خلال رحلة عبوره إلى أوروبا بحثا عن الأمن لعائلته، وسعيد الذي ترك زوجته وطفليه في درعا وسافر إلى ليبيا بحثا عن مستقبل أفضل لعائلته، وعاد بخُفي حُنين بعدما خسر قرابة 7 آلاف دولار إثر سقوطه ضحية لعصابات الإتجار بالبشر في ليبيا. 

المتوسط يحتضن جثامين 5 آلاف سوري 

775 غريق ومفقود

أكثرهم من الذكور يليهم الإناث ثم الأطفال، عادت الأرقام لترتفع في عام 2023 بعد الانتخابات التركية، وانخفاض قيمة الليرة السورية مقابل الدولار.

207 غريق ومفقود

ارتفعت الأعداد المهاجرين بعد تضييقات تركيا وتوقفها عن منح بطاقات الاقامة للسوريين، وتدهور واقع الاقتصاد السوري داخل البلاد.

1759 شخص

في عام 2015 فقدوا كل هؤلاء حياتهم في البحر الابيض المتوسط، وكانت السنة الأكثر دموية على المهاجرين الغير شرعيين، بعد إعلان تركيا بدء تطبيق اتفاقية منع عبور المهاجرين مع الاتحاد الأوروبي.

اتفاق مُخالف وإدانات حقوقية 

يقول أستاذ القانون البحري العام والقانون البحري الدولي في جامعة هامبورغ الألمانية، ألكسندر برويلس، أنه ينبغي نقل المنُقَذين إلى مكان آمن، وقد حددت المنظمة البحرية الدولية IMO  بأنه المكان الذي يسمح بإنهاء حالة الطوارئ بشكل أسرع وأكثر فعالية من غيره.

ويتابع أن الدول الساحلية ملزمة بالسماح للسفن بدخول موانئها والبقاء فيها حال وجود حالة طوارئ على السفينة تهدد حياة الركاب والطاقم كنقص الماء أو المرض أو مشاكل تقنية تهدد السفينة ذاتها، وفي داخل الاتحاد الأوروبي تستثنى سفن الإنقاذ التابعة لـ الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية "فرونتكس" من هذا الشرط، بمعنى يمكن لها الدخول والرسو دون وجود حالة الطوارئ.

ويؤكد المحامي المتخصص في شؤون الأجانب في مصر، عصام حامد، أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يضمن لجميع الناس الحق في الحياة والأمن الشخصي، فالحياة حق أساسي وغير قابل للانتقاص، ومنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسيةICCPR والمعاهدات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان.

يضيف حامد، أن المادتين 6 و2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تنصان أنه يقع على عاتق الدول "واجب توفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وأقاربهم"، بما في ذلك "واجب إجراء تحقيق سريع في الادعاءات المتعلقة بالانتهاك من الحق في الحياة بما في ذلك الموت والاختفاء".

وقد أدانت جوديث سندرلاند، المديرة المساعدة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، سياسات الحكومات الأوروبية الجديدة بإعطاء الأولوية لمراقبة الحدود على الإنقاذ البحري، واتفاقه مع خفر السواحل الليبي لاعتراض مراكب الهجرة عبر البحر المتوسط، والتي نتج عنها انتهاكات مروعة لحقوق اللاجئين والمهاجرين. 

وأضافت سندرلاند، أن إنقاذ الأشخاص في البحر متأصل بعمق في أعراف البحار، وملزم بموجب القانون البحري، لكن الاتحاد الأوروبي تخلي عن مسؤوليته لضمان البحث والإنقاذ في البحر المتوسط، وأصبحت فرونتكس (حرس الحدود وخفر السواحل الأوروبي) تنفذ عمليات مراقبة جوية لخدمة عمليات الاعتراض والإعادة، وليست الإنقاذ. 

الاتفاق الموقع بين إيطاليا وليبيا يُخالف الاتفاقيات والقوانين الدولية، إذ تلزم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS لعام 1982، والاتفاقية الدولية للبحث والإنقاذ البحريين SAR  لعام 1979، والاتفاقية الدولية لحماية الحياة البشرية في البحر SOLAS لعام 1974، الأطراف الموقعة عليها بإنقاذ حياة البشر المهددين بالغرق، والإلزام هنا بحق الدول بالدرجة الأولى، وينطبق كذلك على السفن التي تحمل أعلام الدول الموقعة على تلك الاتفاقيات.

انتهاكات حقوق الإنسان 


إلى جانب مخالفة الاتفاق الأوروبي الليبي للقانون، فقد طالت خفر السواحل الليبي مجموعة واسعة من الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، بينها التعذيب والعنف وإعاقة جهود المتطوعين لتنفيذ عمليات الإنقاذ. 

لا يملك خفر السواحل الليبي أي موقع رسمي إلا حساب عبر تويتر، وهو حساب غير نشط منذ عام 2019، والمعلومات المتوفرة حوله ضئيلة للغاية، ووفقا للتقارير المنشورة حوله في الإعلام فإنها قوات غير منظمة وترتبط بالفصائل والميليشيات المسلحة.

وأفادت بعض التقارير بأن بعض أفراد خفر السواحل كانوا أعضاء سابقين في الميليشات المسلحة، علاوة على أن بعض السفن المملوكة لهم كانت تستخدم في القتال الداخلي. 

وذكرت الوكالة الأوروبية لمراقبة وحماية الحدود الخارجية "فرونتكس"، أن ليبيا لديها قوتين تمارس مهام خفر السواحل: الأولى الإدارة العامة للأمن الساحلي  GACSوتعمل تحت إمرة وزارة الداخلية، والثانية خفر السواحل الليبي  LCGويقع تحت إمرة وزارة الدفاع. 

مراكز استقبال اللاجئين 

وقد شمل الاتفاق الأوروبي الليبي كذلك إنشاء وتمويل مراكز لاستقبال اللاجئين الذين يجري اعتراض سفنهم في البحر، وتوفير أدوية ومعدات طبية لعلاجهم، إضافة إلى تدريب الكوادر الليبية بمراكز الاستقبال أعلاه لمواجهة أوضاع المهاجرين غير الشرعيين. 

تضمن الاتفاق أيضا تمويل أوروبا برامج التنمية في المناطق المتأثرة بالهجرة غير الشرعية، ضمن قطاعات مختلفة، مثل الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والصحة، والنقل، وتنمية الموارد البشرية، والتعليم، وتدريب الموظفين، والبحث العلمي، إضافة إلى إطلاق مبادرات لخلق فرص عمل داخل المناطق المتأثرة بالهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر كبديل للدخل.  

ويبدو أن تنفيذ البنود السابقة لم تسر كما هو مخطط لها أو تم إهمالها، إذ يعاني المهاجرون الذين تتم إعادتهم قسرا إلى ليبيا داخل مراكز الاستقبال، ويمهتن كثير من الليبيين مهنة السمسرة في الهجرة والاتجار في البشر بحق اللاجئين والمهاجرين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا، والقادمين من دول شتى تعاني شعوبها إما من النزاعات المسلحة أو ندرة فرص العمل، وكان سعيد ابن مدينة درعا، أحد ضحايا السماسرة وتجار البشر.  

انتهاكات خفر السواحل الليبي 

"لن ترى أوروبا اليوم" شعار يرفعه أفراد خفر السواحل الليبي أمام اللاجئين الفارين من ويلات الحرب في الجنوب أو الباحثين عن عمل يوفر حياة كريمة لهم ولأسرهم بعدما تقطعت بهم السبل في بلدانهم، إذ يمارس خفر السواحل الليبي سلوك عنيف ومتهور بحق مراكب الهجرة، ويطلق عليها النيران ويصدمها بسفنه وقواربه أو يدور حولها بعنف وقوة حتى تميل وتنقلب بفعل قوة الأمواج، ومن يبقى على قيد الحياة يعود قسرا إلى ليبيا، وهناك يعاني من سوء المعاملة وسوء التغذية، وجميعها انتهاكات وثقتها منظمات أممية وإغاثية، بينها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

وقد أثبتت بعثة تقصي الحقائق في ليبيا، وفقا لتقريرها الصادر 2023، أن المهاجرين في ليبيا يتعرضون لجرائم ضد الإنسانية، تتمثل في أعمال قتل، وإخفاء قسري، وتعذيب، واستعباد، وعنف جنسي، واغتصاب، وغيرها من أفعال لا إنسانية تُرتكب خلال احتجازهم تعسفيا، وأكثر هذه الجرائم تحدث في مراكز جهاز "مكافحة الهجرة غير الشرعية"، الكيان الرسمي المسؤول عن مراكز احتجاز المهاجرين في مختلف أنحاء ليبيا لدى وزارة الداخلية الليبية.

أعداد الغرقى والمفقودين في البحرالأبيض المتوسط - المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

أعداد الغرقى والمفقودين في البحرالأبيض المتوسط - المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

أعداد الغرقى والمفقودين في البحرالأبيض المتوسط - المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

إتجار بالبشر 

بحسب استطلاع أجراه مشروع مراقبة الهجرة المختلطة مع اللاجئين والمهاجرين في شمال أفريقيا، وغرب إفريقيا، وشرق إفريقيا، بين عامي 2018 و2021، أكد المهاجرون تعرضهم لانتهاكات واعتقالات وعنف جسدي وجنسي، وكان أكثرها شراسة وتكرارا تلك التي تحدث في ليبيا. وكان الشاب السوري سعيد أحد هؤلاء المتضررين. 

سعيد شاب سوري عمره 30 عاما، ترك زوجته وطفلين في درعا بحثا عن فرصة عمل توفر له ولأسرته حياة كريمة في أوروبا، خطط لرحلته وبدأها جوا إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا مستقلا مركب، ولكن عاد سعيد أدراجه بعد 8 أشهر من المعاناة في ليبيا، وبعدما خسر قرابة 7 آلاف دولار خلال هذه الرحلة، وأصيب بمرض التهاب الكبد وسوء التغذية وفطريات.

يقول سعيد الذي قضى قرابة 8 أشهر داخل مخازن التهريب أو ما وصفه "زريبة حيوانات"، إنه عاني الأمرين خلال هذه الرحلة، فقد عاني من المرض والجوع والتعذيب هو ومئات غيره. 

خلال 8 أشهر تنقّل سعيد بين كثير من المخازن، جلس بها عشرات الأيام وأحيانا شهور، بهدف الخروج في رحلة بحرية، فشلت عدة مرات "بسبب عدم اتفاق المهربين"، يصف سعيد حاله داخل المخزن: "القعدة في المخازن كانت عبارة عن انتظار الموت، كنا كل اليوم نعيش على قطعة خبز صغيرة مع مثلث جبنة، وصل الأمر فينا أننا شربنا من المياه المتجمعة على الأرض".

وعن العنف وسوء المعاملة، يقول: مرة حاول شابان مصريان الفرار من المخزن لكنهما فشلا، وقبض عليهما المهرب، وعذبهما وضربهما بأشرطة الكهرباء والعصا حتى خرج الدم من جسميهما، مدعيا أنهما سيبلغان عن مكان المخزن.. من مخزن لمخزن ومكان لآخر انتهت رحلة سعيد بالقبض عليه من قبل القوات الليبية، وأفرج عنه بعد دفع 1500 دولار أمريكي كفالة، وقبلها اضطر لدفع 3500 دولار للتجار حتى يسرعون اتفاقهم مع مركب هجرة غير نظامية، وحاول مرة جديدة العبور إلى إيطاليا غير أن شجار بالأسلحة النارية بين المهربين دفعه لإلغاء قرار السفر والعودة إلى سوريا، وفي النهاية عاد إلى بلاده مريضا مُدانا. 

صندوق أوروبي للحد من الهجرة إليها 

في سبيل وقف موجات هجرة اللاجئين إلى أوروبا، أسس الاتحاد الأوروبي الصندوق الائتماني لدعم الطوارئ في أفريقيا، نوفمبر 2015، لمحاربة الهجرة غير النظامية وعودة المهاجرين وإعادة دمجهم في بلدانهم، ويعمل الصندوق في 3 مناطق رئيسية في أفريقيا، حصلت ليبيا على نصيب الأسد من تمويلات الصندوق وبرامجه. 

قدم الصندوق قرابة 465 مليون يورو لتنفيذ مشروعات متنوعة في ليبيا، من أصل 700 مليون يورو دعم من أوروبا إلى ليبيا خلال السنوات الماضية، وجهت الأموال 3 محاور رئيسية، هي: 35% لاستقرار المجتمع، 52% للحماية، و13% لإدارة الحدود.

برنامج إدارة الحدود وفر سلسلة تدريبات لأعضاء الإدارة العامة لأمن السواحل (خفر السواحل) حول مهارات الملاحة وحقوق الإنسان، توفير 30 سيارة دفع رباعي و10 حافلات إلى السلطات الليبية المعنية، وإصلاح 3 سفن تابعة لـلإدارة العامة لأمن السواحل GACS، علاوة على توفير 59 مليون يورو لخفر السواحل. 

ساهم برنامج الحماية في إعادة قرابة 57 ألف مهاجر وإجلاء قرابة 8 آلاف لاجئ وملتمس لجوء من ليبيا إلى بلدانهم الأصلية، إضافة إلى توزيع مواد غذائية ومساعدات طارئة على اللاجئين والمهاجرين الضعفاء.

وقدم الصندوق 237 مليون يورو لبرنامج حماية المحتاجين، لأغراض تفكيك الشبكات الإجرامية العاملة في شمال أفريقيا والمتورطة في تهريب المهاجرين والاتجار بهم، توفير الحماية والحلول المستدامة للمهاجرين واللاجئين على طول طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، وتوفير آلية الإجلاء العابر للحدود، وإعادة المهاجرين واللاجئين إلى أوطانهم، وإدارة تدفقات الهجرة المختلطة، وإيجاد حلول دائمة للأطفال غير المصحوبين. 

فقد أكثر من 24,400 شخص حياتهم أو فقدوا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط بين عام 2014 و 2021. وواجه كثيرون آخرون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان - على نطاق يحتمل أن يكون أعلى وأكثر حدة من التقديرات المقلقة بالفعل. وهذه مأساة واسعة الانتشار وطويلة الأمد ومهملة إلى حد كبير.

2020

تكيف المهربون بسرعة للتدابير التي تم تنفيذها في عام 2020 من خلال تقديم طرق بديلة لتجاوز النقاط الحدودية الرسمية. ومنذ عام 2021، بدأت التدفقات في الارتفاع مرة أخرى، حيث تشيرالأرقام إلى اتجاه تصاعدي.

2014

في عام 2014، انتقل أكثر من 200,000 لاجئ ومهاجر من شرق وغرب أفريقيا إلى شمال أفريقيا ومن تم الى أوروبا. بلغ حجم التحركات ذروته في عام 2015، مع وصول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى أوروبا.

التمويل 

مول الصندوق أيضا مشروع الإدارة المتكاملة للحدود والهجرة، الذي تضمن برنامجين: الأول تعزيز قدرات إدارة الحدود لدى السلطات الليبية، يوليو 2017، والثاني تنفذه وزارة الداخلية الإيطالية، بدءا من يوليو 2018، ويشمل دعم خفر السواحل الليبي، وبالأخص مركز تنسيق الإنقاذ البحري MRCC، وشراء وصيانة زوارق الدوريات.

تولت سفن البحرية الإيطالية المتمركزة في طرابلس بتنسيق جهود خفر السواحل الليبي، علاوة على مسؤولية إيطاليا عن تدريب وتجهيز وتمويل وتنسيق عمليات خفر السواحل الليبي بشكل مباشر، بعد اتفاق فبراير ،2017 بهدف إعادة السفن والمهاجرين إلى ليبيا.

يوليو 2018 وقعت إيطاليا وليبيا اتفاقية، تسلمت خلالها ليبيا مجموعة جديدة من زوارق الدورية لخفر السواحل الليبي، إضافة إلى برامج تدريب عسكري، ومبلغ 5 ملايين دولار. وخصصت إيطاليا أيضا 32 مليون يورو خلال 2017، علاوة على 10 ملايين إضافية خلال 2021، لخفر السواحل الليبي. 

تدريب خفر السواحل 

تتولى بعثة قوات الاتحاد الأوروبي البحرية المتوسطية  EUNAVFOR MEDتدريب خفر السواحل الليبي، ونظمت التدريبات في بلدان أوروبية عدة، مثل إيطاليا واليونان ومالطا وكرواتيا، بمشاركة عدة منظمات، هي: فرونتكس Frontex ومفوضية شؤون اللاجئين UNHCR والمنظمة الدولية للهجرة IOM والمكتب الأوروبي لدعم اللجوء EASO وكذلك المنظمات غير الحكومية Rava Foundation و Corpo Italiano di Soccorso dell 'Ordine di Maltaو CISOM. بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية في ليبيا EUBAM  بالتعاون مع فرونتكس تولت تدريبات أخرى.

وفي يونيو 2018 وافقت المنظمة البحرية الدولية IMO وبدعم من حكومة إيطاليا على طلب ليبيا تحديد منطقة البحث والإنقاذ الخاصة بها SAR، بما يسمح لخفر السواحل الإيطالي قانونا إحالة أي اتصال يرد من السفن غير الموجودة في منطقة البحث والإنقاذ الخاصة به إلى السلطات الليبية.

المحكمة الجنائية الدولية 

ممارسات الاتحاد الأوروبية المعادية للمهاجرين غير النظاميين دفعت محامون دوليون إلى تقديم وثيقة قانونية إلى المحكمة الجنائية الدولية، اتهموا فيها الاتحاد الأوروبي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إثر اعتراض طريق أكثر من 40 ألف شخص في البحر المتوسط، ونقلهم إلى معسكرات اعتقال ودور تعذيب خلال السنوات الماضية، محملين دول الاتحاد المسؤولية عن وقوع جرائم ضد الإنسانية بحق هؤلاء الأشخاص.

وطالب المحامي خوان برانكو الذي شارك في صياغة الوثيقة إلى جانب محامين آخرين بمقاضاة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي لعبت دورًا بارزًا في أزمة اللاجئين، وتحديداً إيطاليا وألمانيا وفرنسا، جراء مقتل الآلاف من المهاجرين الذين غرقوا في البحر المتوسط انطلاقاً من ليبيا، وتحميهم مسؤولية إنشاء طريق الهجرة الأخطر في العالم، إذ تسببوا في تعريض المهاجرين لعمليات اغتصاب وتعذيب على نطاق واسع على أيدي خفر السواحل الليبي، الذي يتم تمويله وتدريبه من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين.

وقد طالبت جوديث سندرلاند، المديرة المساعدة لقسم أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، دول الاتحاد الأوروبي ومؤسساته بالتحرك الآن لحماية الأرواح التي تحصد في البحر المتوسط، والتخلي عن سياسة الاعتراض لصالح إنقاذ الأرواح، وضمان علميات إنزال في مناطق محددة وآمنة.

وقد نفى المتحدث باسم خدمة العمل الخارجي الأوروبي EEAS، بيتر ستانو، خلال مؤتمر صحفي مارس 2023، أن يكون الاتحاد الأوروبي يمول خفر السواحل الليبي أو أي كيان آخر في ليبيا، موضحا أنهم يساعدونهم على تحسين أدائهم في عمليات البحث والإنقاذ، مع التركيز بشكل خاص على حقوق الإنسان، وفقا لوصفه. 

ابتلع البحر بنات حسين الأربع: راندا، وشريهان، ونورهان وكريستينا، سارقاً أحلام حسين و عائلته بالوصول إلى بوابة المستقبل الآمن في أوروبا بعد أن نهشت الحرب بلادهم على مدار أكثر من 10 سنوات.