
عقارات متضرري الزلزال في اللاذقية: تباع بسعر بخس وسط عرقلة الترميم و التدعيم
حبيب شحادة
فَقد خليل محمد، وهو موظف حكومي متقاعد قدرته على ترميم وتدعيم منزله والعودة للسكن به مع عائلته، حيث ذكريات العائلة ما تزال موجودة ضمن جدرانه المتهالكة، ذلك نتيجة قرار لجنة الكشف الفني التابعة لمحافظة اللاذقية هدم منزله في قرية اسطامو، كما قال لـ "روزنة".
وكان محمد، يسكن مع زوجته وأولاده الخمسة في الطابق الثاني من بناء مكون من ثلاثة طوابق، لكن زلزال 6 شباط/فبراير الذي ضرب خمس محافظات سورية، وجنوب تركيا، ألحق ضرراً بمنزله، "جدران المنزل تشققت وحتى السقف"، بحسب قوله.
منازل متضررة ضحية وقوعها في مناطق مخالفات
تضمن قرار لجنة الكشف الفني (لجنة خاصة تابعة لمحافظة اللاذقية مهمتها تقييم الوضع الإنشائي للمباني المتضررة بفعل الزلزال) هدم منزل الموظف المتقاعد نتيجة تضرره بنسبة كبيرة، مشيراً إلى أنَّ منزله يقع في حي غير منظم عمرانياً (عشوائي).
"قرروا هدم كل الطوابق ومنها منزلي منذ 4 أشهر، لكن لم يٌنفذ الهدم حتى اليوم، إذ ما يزال البناء على حاله، مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة اللاذقية مهند دواي في تصريحات صحفية خلال شهر حزيران/يونيو الفائت قال:"إن العقارات المتضررة في مناطق المخالفات أو الأسهم لم تصدر أية تعليمات بخصوص التعامل معها سواء كانت بحاجة إلى ترميم أو تدعيم أو هدم"، مشيراً إلى أن نقابة المهندسين لا تقدم أي دراسة للأبنية غير المرخصة.
وعليه، خَسِرا محمد، إمكانية تدعيم منزله كما كان يرغب، وهذا ما دفعه للجوء إلى خيار بيعه، إذ انتشرت بعد الزلزال عمليات شراء منازل من قبل سماسرة عقارات يشترون منازل مهدمة.
مقطع فيديو من مدينة جبلة بعد زلزال 6 شباط
مقطع فيديو من مدينة جبلة بعد زلزال 6 شباط
ومحال في أبنية متضررة بنصف سعرها من قبل مقاولين وأصحاب مكاتب عقارية بحجة تدني سعر العقارات في المناطق التي ضربها الزلزال.
ونتيجة عدم وجود خطة واضحة لإعادة الإعمار، كان خيار الموظف المتقاعد بيع منزله في ظل سوء الوضع الاقتصادي وعدم قدرته على الترميم أو إعادة البناء. عدا عن غياب آلية واضحة للتعامل مع الأبنية العشوائية التي تضررت بفعل الزلزال كما أوضح مدير الشؤون الفنية في مجلس مدينة اللاذقية مهند دواي.
ويؤكد مدير الشؤون الفنية مهند دواي في تصريحاته: "إن العقارات المتضررة في مناطق المخالفات أو الأسهم لم تصدر أية تعليمات بخصوص التعامل معها سواء كانت بحاجة إلى ترميم أو تدعيم أو هدم"، مشيراً إلى أن نقابة المهندسين لا تقدم أي دراسة للأبنية غير المرخصة.
وفي هذا السياق، اعتبر المهندس المدني همام الذي كان عضو في لجان الكشف الفني التابعة لمحافظة اللاذقية، أنَّ كثير من منازل المتضررين في اسطامو وجبلة والمشروع العاشر وحي الرمل الجنوبي باللاذقية تعتبر أبنية مخالفة أغلق الكثير منها بالشمع الأحمر بسبب تضررها الكبير، "تضرر في الجملة الإنشائية للبناء ما يستدعي هدمها"، بحسب وصفه.
وأضاف في حديثه لـ "روزنة" "أن التعامل مع الأبنية المخالفة معقد لجهة عدم وجود وثائق ملكية لها، وكذلك عدم صدور تعليمات من المحافظة للتعامل مع وضعها الحالي هندسياً سواء كانت بحاجة لهدم أو تدعيم بعد إغلاقها". مؤكداً أن هذه المشكلة جمدت هذه العقارات وخفضت سعرها في ذات الوقت.
سماسرة عقارات يشترون منازل مهدمة
في الوقت الذي خسر فيه خليل وغيره من متضرري الزلزال القدرة على ترميم أو تدعيم منازلهم الواقعة في مناطق مخالفات بعد إغلاقها بالشمع الأحمر، نشط سماسرة العقارات والمقاولات في شراء منازل هؤلاء بأسعار بخسة مستغلين حاجة المتضررين لتأمين السكن، كما أوضح عدد من السكان المتضررين لـ "روزنة".
في المقابل، أكد مصدر محلي يعمل في المقاولات والبناء لـ "روزنة"، تزايد عمليات شراء العقارات في مناطق الزلزال باللاذقية من قبل مقاولين وسماسرة العقارات بهدف الاستفادة من قرض الــ 200 مليون ليرة في ظل عدم قدرة مالكي هذه العقارات على دفع الأقساط الشهرية لهذا القرض والتي تزيد عن 2 مليون ليرة.
وأضاف المصدر، أنه في المشروع العاشر واسطامو والرمل الجنوبي هناك مقاولين يشترون عقارات بأسعار رخيصة. وهذا ما حصل مع خليل الذي اضطر لبيع منزله بسعر منخفض (25 مليون ليرة) بينما سعره قبل الزلزال يفوق الـ 50 مليون ليرة، بحسب قوله.

صورة من مدينة جبلة بعد زلزال 6 شباط
صورة من مدينة جبلة بعد زلزال 6 شباط
تدعيم المنازل المتضررة يغرق بالروتين
لا تختلف معاناة متضرري مناطق المخالفات عن متضرري أصحاب المنازل المتضررة والمغلقة بالشمع الأحمر في المناطق التنظيمية خصوصاً لجهة صعوبة إجراءات التدعيم والترميم وفقدان قيمة القروض الممنوحة لتلك العملية قيمتها جراء الانهيار المتواصل لسعر صرف الليرة مقابل الدولار.
وإزاء ذلك، وبعد شهرين من صدور قرار هدم منزل خالد زينة، 54عاماً في حي الرمل الجنوبي، إلا أنه لم يتمكن من إعادة تدعيم منزله حتى اليوم، "منزلي مغلق بالشمع الأحمر، وكي أتمكن من تدعيمه يجب فك تشميعه وهذا يحتاج إلى طلب للبلدية مرفق بدراسة من نقابة المهندسين"، قال خالد.
وعادةً، حتى يتمكن المتضرر من تدعيم منزله، يجب أن يحصل على تقرير اللجنة المختصة بوضع المنزل أو العقار وتقييم الضرر بالجملة الإنشائية، بينما في حال كان تم تشميع المنزل حرصاً على السلامة العامة، يجب أن يتقدم مالكه بطلب مرفق بدراسة من نقابة المهندسين مصدقة أصولاً، لتوافق البلدية على فك التشميع ومن ثم يُدعم المنزل بموجب مهندس ومشرف من النقابة ومهندس ومراقب من مجلس المدينة، وفقاً لدواي.
لكن ما حصل مع خالد، أنَّ نقابة المهندسين رفضت إعطائه دراسة بحالة منزله، وطالبته بالذهاب للمكاتب الهندسية الخاصة التي تقوم بإعداد الدراسات التدعيمية للمنازل المتضررة.
وهنا يتساءل المهندس همام عن تقارير اللجان الخاصة بالكشف عن المباني المتضررة والتي قيَّمت الوضع الإنشائي لها والتي على أساسها يمكن إعداد دراسة تدعيمية لأي منزل دون الحاجة لطلب تلك الدراسة من مكاتب هندسية خاصة وعلى حساب المتضرر، إذ تكلف تلك الدراسات مبالغ تفوق المليون ليرة.
وعليه، ترك خالد منزله بلا تدعيم بانتظار هدمه، "منزلي ما زال ركام ولم يهدم حتى الآن وتُرحل الأنقاض رغم أنه يشكل خطراً على السلامة العامة وفقاً لتقييم اللجان الخاصة"، كما أوضح لـ "روزنة". مضيفاً أنه يسكن وعائلته في منزل مستأجر.
وكانت أظهرت بيانات غرفة عمليات الإغاثة في اللاذقية أن اللجان الهندسية كشفت على 107638 مبنى أبلغ أصحابها عن وجود أضرار فيها بعد كارثة الزلزال، وفي حين أكدت اللجان سلامة 59371 مبنى منها، تبين أن هناك 27483 مبنى بحاجة إلى ترميم، و 19013 إلى تدعيم و 1771 مبنى إلى هدم، اضافةً إلى تهدم 105 أبنية مباشرة جراء الزلزال.
وإلى أن تجد محافظة اللاذقية حلاً لأزمة أكثر من 50 ألف متضرر تحتاج منازلهم للترميم والتدعيم أو الهدم وإعادة البناء بعد أكثر من 6 أشهر على وقوع الزلزال، يتحسر خليل على بيع منزله، "بعت أنقاض منزل، بعت ذكريات عائلتي بتراب المصاري"، وفقاً لوصفه.