الفقر والتمييز يمنح للذكر حظ الأنثيين في استخدام جهاز اللابتوب

علياء أحمد 


تضطر ولاء 23 عاماً، لانتظار شقيقها الأصغر وزميلها في كلية المعلوماتية، حتى ينتهي من فروضه ومشاريعه على اللابتوب، حتى تتمكن من استخدامه، فالشابان اللذان يعيشان لدى أسرة مؤلفة منهما إضافة لأب وأم موظفين، لا يمتلكان سوى لابتوب واحد.

قد تحمل هذه الصورة مفارقة للواقع ما بين الواقع ، حيث بدأت البشرية هناك في المقلب الآخر من العالم في دراسة تحديات أدوات الذكاء الاصطناعي، بينما في سورية تبحث الفتاة عن طريقة لامتلاك جهاز حاسوب.

للذكر حظ الأنثيين في استخدام اللابتوب

تقول ولاء: "أحياناً يجاكرني قليلاً، يلعب على اللابتوب ويتركني أنتظر، وحين أشتكي لأمي، تخبرني أنه اصغر منه وعليّ أن أشجعه، وبأنه شقيقي الوحيد ويجب أن أداريه، رغم أني وحديتهما أيضاً فلا شقيقات أو أشقاء سوانا".

عائلة ولاء مازالت حتى الآن تفضل تعليم الشاب على الفتاة، فالفكرة من منطق الاستثمار العائلي غير مفيدة، ذلك أن العائد الاقتصادي من تعليم البنات يذهب للزوج.

تقول: "تعليمات والدي كانت واضحة، يمكنني استخدام الجهاز لكن بعد أن يُنهي شقيقي فروضه وواجباته".

لم تكن ولاء تعاني من المشكلة إلا بعد دخول شقيقها الأصغر الجامعة، فظروف الأهل المادية لا تسمح باقتناء لابتوب آخر، أو حتى كومبيوتر.

 وفكرة اللجوء إلى التقدم بطلب قرض مالي من الجامعة والذي تمنحه للطلاب، لم تعد متاحة كما كانت سابقاً.

كانت الجامعة سابقاً تمنح لطلابها قرض الحاسوب، بقيمة 30 ألف ليرة، ليصبح 50 ألف ليرة عام 2014، ويرفع عام 2019، إلى 100 ألف ليرة، وكان هذا المبلغ يساعد الطلبة في تأمين بعض الاحتياجات التقنية كأجهزة الحاسوب، فيما وصل سعر الجهاز إلى أكثر من مليوني ليرة بالحد الأدنى في السوق.

الغلبة للشقيق 

يحز في نفس صفاء 23 عاماً، وهي الطالبة في كلية طب الأسنان بجامعة تشرين، كيف فضل والدها شراء جهاز اللابتوب لشقيقها الطالب في كلية اللغة الانكليزية بدلاً منها.

العائلة كانت تتحجج بمصاريف صفاء الجامعية بأنها كبيرة، وأن مستقبلها مضمون كطبيبة.

تقول صفاء: " شقيقي مستقل اقتصادياً، وقادر على أن يشتي لنفسه جهاز خاص، فهو يعمل كمدرس لغة في بعض المعاهد الخاصة والطلاب، ولكن عائلتي فضلته عني".

تمنح السلطة الذكورية مساحة واسعة للتحكم في المدخول الاقتصادي للفتيات، سمر وهي (اسم مستعار) طالبها والدها بسحب قرض بنكي و تقديمه له بحجة استرداد قيمة الأموال التي صرفها على تعليمها وعليها أن تعوضه قبل أن تتزوج، ويستحوذ الزوج على راتبها!.

العامل الاقتصادي والتضخم المالي و انخفاض مستوى دخل الفرد في سوريا إلى نحو ؟؟؟ دولار شهرياً.

ما جبنا اللابتوب لاخوك حتى نجيبه إلك 

رغم حاجة إيفلين 21 عاماً والتي تدرس هندسة طبية في جامعة تشرين للابتوب، إلا أنها لم تستطع طلب ثمنه من والدها.

 فالأب بالكاد يؤمن لقمة عيشه، وما يؤمنه من مدخول يومي عبر بسطة لبيع الألبسة الداخلية في أحد أسواق المدينة تكاد أن تكفي العائلة.

لكنّ الصبيّة حاولت طلب الدعم من والدتها، لتنهرها الأخيرة وتخبرها ألا تكلف والدها ما لا يستطيعه، ويكفي أنه يعطيها مصروف الدراسة، تقول إيفلين: "قالت لي والدتي حرفياً، مو شايفة أخوكي الشب ما قدرنا نجبلو كمبيوتر، هلا بدنا نجبلك ياه إلك ونضحك العالم علينا".

وترتفع في سوريا أسعار اللابتوبات والموبايلات بشكل كبير جداً، حتى أغلى من غالبية دول الخليج، وهو ما يعيق وصول الكثير للأدوات التكنولوجية، ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة للنساء اللواتي يأخذن مصروفهنّ من أهلهنّ، حيث تكون الأفضلية للشقيق الذكر بالحصول على اللابتوب أو الموبايل، علماً أن هذا النموذج لا يعمم إلا أنه الأكثر تواجداً اليوم.

العامل الاقتصادي والتضخم المالي و انخفاض مستوى دخل الفرد في سوريا إلى نحو 9 دولار شهرياً. وترتفع في سوريا أسعار اللابتوبات والموبايلات بشكل كبير جداً، حتى أغلى من غالبية دول الخليج.

فعلى سبيل المثال يبلغ ثمن لابتوب من النوع Asus tuf gaming، 774 دولار في دبي، أي نحو 8 ملايين و900 ألف ليرة، بينما يبلغ ثمن الموبايل في وكالة أسوس بسوريا 10 مليون و200 ألف ليرة. وكلما انخفضت مواصفات اللابتوب وماركته كلما كان سعره أغلى في سوريا مقارنة بدول الخليج، على سبيل المثال سعر لابتوب من نوع Lenovo V15 G2 ALC، في دبي 246.31 دولار، أي نحو مليونين و832 ألف ليرة سورية، بينما يباع في سوريا بسعر 5 ملايين و850 ألف ليرة، أي نحو ضعف ثمنه تقريباً. 

علماً أن تلك الأسعار خاصة بيوم 20 تموز، وهي متغيرة تبعاً لتغير سعر صرف الدولار، والذي يشهد ارتفاعاً مستمراً بشكل يومي تقريباً. 

الأسعار المرتفعة تعيق وصول الكثيرين للأدوات التكنولوجية، ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة للنساء اللواتي يأخذن مصروفهنّ من أهلهنّ، حيث تكون الأفضلية للشقيق الذكر بالحصول على اللابتوب أو الموبايل، علماً أن هذا النموذج لا يعمم إلا أنه الأكثر تواجداً اليوم.

أنطونيو غوتيرس المسؤول الأممي أكد في كلمته بمناسبة يوم المرأة لهذا العام أن استبعاد النساء من العالم الرقمي أدى إلى ضياع ما يقدر بنحو تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل في العقد الماضي - وهي خسارة يمكن أن تزيد لتصل إلى 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2025 في حال عدم اتخاذ أي إجراء.

وبين الدعم الأممي لحق النساء في الوصول إلى الأدوات التكنولوجية، والواقع التمييزي بحق النساء في المحيط الاجتماعي أولاً و الواقع الإقتصادي ثانياً يبقى مستقبل الفتيات مرهونا بالكثير من التعقيدات ليصبح امتلاك جهاز لابتوب حلماً إضافياً لهن.