زلزال 6 شباط: اعفاء متأخر... من يعوض خسارات المتضررين؟

مصعب الياسين

كانت الساعات التي عاشها جمال الصالح وأسرته تحت المطر والهواء البارد حتى مشرق الشمس خارج منزلهم، فجر السادس من شباط \ فبراير 2023 مجهدة وصعبة للغاية سيما على الأطفال،  فهي ليلة الزلزال الذي غير من حياة الناس للأبد. 

في تلك الليلة انتظر الصالح طلوع النهار بفارق الصبر حتى يدخل إلى منزله ويتفقد ما حل به، ليكون هول ما رأه مرعباً فلا يخلو جدار من تشقق وثلاثة أعمدة داهمتها الشروخ إضافة للدمار الكبير بأثاث المنزل والأجهزة الكهربائية.

بلغ عدد المباني التي دمرها زلزال السادس من شباط \فبراير بحسب "فريق منسقو استجابة سوريا" 1983 مبنى، إضافة لـ 4073 مبنى غير آمن للعودة وغير قابل للتدعيم، في حين أن عدد المباني التي كانت تحتاج للتدعيم لتصبح آمنة للعودة 12,043 مبنى، بالتزامن مع وجود 19,446 مبنى كانت بحاجة لصيانة أضرار خفيفة في شمال غرب سوريا. 

مضى 17 يوم على مكوث جمال  لدى أحد أقاربه في مخيمات النازحين على الحدود السورية التركية، وطوال تلك الفترة بقيت الأرض تهتز من تحتهم بين الحين والآخر فالهزات الارتدادية حافظت على نشاطها لفترة طويلة، ولكن الحال صعبة، والخيمة أساساً لا تتسع لأكثر من 5 أشخاص وتفتقر لأدنى مقومات المعيشة. 

كان على العائلة المكونة من 7 أشخاص، إصلاح المنزل بأقصى سرعة ممكنة، فالخيمة صغيرة، وعليهم المغادرة. 

وقبل نحو أسبوع من عودة العائلة للمنزل، كانت إحدى الدوريات التابعة لما يسمى "مديرية التخطيط التابعة لحكومة الإنقاذ" وأثناء تجولها في المنطقة كشفت قيامهم بعملية ترميم المنزل دون علمها، وتصدر بحقهم مخالفة مالية مقدارها 300 دولار بحجة عدم وجود رخصة بناء.

العائلة كانت ترمم منزلها ولم تكن تبن منزلاً جديداً.

تنتشر مديريات حكومة الإنقاذ بمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في ريف حماة الغربي ومحافظة إدلب، وريف اللاذقية الشمالي وغربي حلب، وتعمل الإنقاذ على إحداث المديريات المتتابعة لها في المناطق المذكورة بشكل مستمر، منذ الإعلان عن انطلاقها في العام 2017. 

قرارات حكومة الانقاذ

ألزمت حكومة الإنقاذ  منذ شهر كانون الثاني \يناير 2023  أصحاب المنازل حديثة المنشأ المخالفة في مناطق سيطرتها بدفع مبالغ مالية مقابل الحصول على رخصة للبناء.  

ولكنها عادت وشملت الأبنية المعاد ترميمها من الزلزال بذات الرخصة، ليصبح على أصحاب المنازل المتضررة من الزلزال دفع رخصة بناء جديدة لترميم منازلهم، تحسب بذات قيمة البناء الجديد.

وبعد وقوع الزلزال بحوالي ثلاثة أشهر أصدرت "رئاسة مجلس حكومة الإنقاذ"، بلاغاً رسمياً تطلب فيه من المواطنين الحصول على الموافقة الفنية المطلوبة للأعمال الإنشائية، على أن تكون وزارة الإدارة المحلية ومديرية الخدمات الفنية الجهة المُناطة باستصدار الموافقات ومنح الرخص الفنية المطلوبة للأعمال الإنشائية، وتسوية المخالفات الفنية بأنواعها وتدقيق الافرازات وتصديقها، إضافة لتكليف العقارات بالتحسين وتثبيت شراء أي من الأملاك التابعة لوزارة الإدارة المحلية والخدمات. ونصت عملية ترخيص البناء أو الترميم الالتزام بشروط ومواصفات محددة للخرسانة وأرضية البناء، وموقعها إضافة لدفع ضريبة مالية تبدأ من دولار و نصف أمريكي على المتر المربع.

بقي هذا القرار قيد التنفيذ على مدار خمسة أشهر بعد وقوع الزلزال ، لتصدر بعدها "وزارة الإدارة المحلية والخدمات"، في شهر حزيران\يوينو 2023 تعميم إلى بلدياتها ودوائرها قرار إعفاء من تهدم او تصدع بيته من جراء كوارث طبيعية  أو القصف الجوي والأرضي من النظام،  من كافة الرسوم المترتبة على إعادة إنشائه.

لكن هذا القرار لم يسثني المنزل المراد ترميمه  من الدراسات الهندسية و تدقيقها في وزارة الإدارة المحلية والخدمات ووجوب الحصول على رخصة ترميم . 

يتطلب من صاحب البناء المتضرر في الزلزال القيام بدراسة فنية هندسية لعملية التدعيم، للتأكد من سلامة البناء بعد تدعيمه وهذه المخططات مطلوب من المهندس القائم بالدراسة تصديقها وتدقيقها لدى مديرية الشؤون الهندسية، للتأكد من مطابقتها للشروط الإنشائية في الكود السوري، ومقاومتها للزلازل والعوامل الأخرى بحسب معلومات من مصادر من حكومة الإنقاذ .

صبحي الحداد وجيرانه في البناء بمنطقة "سلقين"، تكلفوا نحو 3200 دولار مقابل إصلاح الاعمدة الـ 4 للبناء المتضرر من الزلزال في مدينة سلقين . فهي بحاجة لتدعيم من القواعد الأرضية وحتى الطابق الرابع، ضمن مواصفات مطابقة لمواصفات قرار حكومة الإنقاذ. 

تعويضات بجهود محلية 

بعد إحصاء المنازل المتضررة من الزلزال بين الهدم الكلي والجزئي والضرر الممكن إصلاحه بدأت عدة منظمات في منطقة حارم ( حارم - سلقين - بسنيا- عزمارين وعدد من القرى والبلدات)  العمل على الوصول للمتضررين بعدة مراحل أولها المساعدات الطارئة وصولا لترميم مئات المنازل بحسب مستوى الضرر.

لم يحصل صباح الدلال حتى اليوم على تعويض عادل من الممكن أن يساعده على استئجار منزل أو شراء آخر بعد تصدع منزله كلياً بالزلزال، حسب كلامه.

ويخبرنا أن كل ما حصل عليه لا يتعدى الـ 750$ ينفقها على غذاء عائلته المؤلفة من 8 أشخاص، ويلفت إلى أن جيرانه بذات البناء حصلوا على ذات المبالغ. 

أما وليد النعيمي النازح من مدينة معرة النعمان، فلقد تضرره منزله المستأجر بشكل وسطي في مدينة حارم، وحصل خلال الستة أشهر الماضية على تعويض وصل لـ 500 دولار أمريكي وأربعة سلل غذائية خلال مكوثه بمركز إيواء لمتضرري الزلزال.

أما وائل الحسن فلم يأبه بالمساعدات النقدية أو العينية بقدر إهتمامه بإدراج منزله ضمن برامج الترميم، فقيمة الترميم التي حصل عليها لا تتخطى الـ 800$، ولا تكفي لكل أعمال الترميم، ليدفع ماتبقى من ترميم للمنزل من جيبه، سيما أنه بحاجة للسكن بمنزله بعد خروجه من مركز الايواء في شهر تموز\يوليو. 

تقول "منظمة عطاء" العاملة في مناطق شمال غرب سوريا، إنها عملت على ترميم 630 منزل موزعة على ثلاث مناطق (سرمدا – حارم – سلقين) 210 منزل بكل منطقة، ويتم العمل الآن على استهداف 850 منزل جديد بعدة مناطق في ريفي سلقين وحارم. 

المشروع الترميمي يستهدف المنازل ذات الضرر المتوسط، بعد إجراء التقييم الأولي لتحديد شدة الضرر للمنازل، واعتماد المعايير الإنسانية واختيار العوائل الأشد ضعفاً كأولوية للقبول.

وشملت أعمال الترميم أعمال بناء بلوك اسمنتي وأعمال زريقة وأعمال دهان وأعمال سباكة وتركيب بياضات، وأعمال كهربائية وتركيب أنظمة طاقة شمسية وتركيب أبواب ونوافذ وخزانات مياه، وتمت متابعة هذه الأعمال من قبل الفريق الهندسي والتحقق من جودة تنفيذ الأعمال وفق دفاتر الشروط والمواصفات الفنية، بحسب المهندس محمد آصف عجيني مدير مشروع ترميم المنازل المتضررة من الزلزال في "منظمة عطاء" .

كما أطلق "فريق ملهم التطوعي" حملة أسماها "قادرون"، لجمع تبرعات بهدف إنشاء منازل سكنية طابقية لمتضرري الزلزال في حارم و أرمناز وسلقين وإدلب، بعدد يصل إلى 2000 شقة سكنية، على نموذجين غرفتين ومنتفعات وثلاثة غرف ومنتفعات، بحسب "عبد الله السويد" مدير منطقة إدلب في فريق ملهم.

انطلق العمل في مدينة حارم بتأمين 350 شقة، ويتم العمل الآن على انشاء وحدات سكنية مخصصة للمتضررين من الزلزال في مدينة أرمناز وادلب وسلقين، ضمن شروط ومعايير أولها أن يكون المستفيد تهدم منزله بالزلزال ولا يملك غيره، أو أن يكون فاقد لأحبائه بالزلزال أو من ذوي الإصابات ذات الإعاقة الدائمة الناتجة عن الزلزال، ويمتلك المستفيد المنزل اذا طبق شروط فريق ملهم خلال فترة زمنية معينة بعد استلامه للمنزل. 

ولكن، ورغم مضي أكثر من سبعة أشهر على الزلزال لاتزال أكثر من عشرين ألف عائلة متضررة، منازلها من الزلزال بدون مأوى، في حين عملت إدارة الإسكان في حكومة الإنقاذ على نقل ما يقارب عشرة آلاف عائلة من متضرري الزلزال إلى منازل ضمن المخيمات الاسمنتية، بحسب أحمد القاسم رئيس دائرة الإسكان. 

حلول غائبة 

بعد مرور أشهر طويلة على سقوط مئات المنازل جراء الزلزال، إلا أن ذوي  أصحاب المنازل الموجودة ضمن البنايات السكنية لم يصلوا لصيغة تفاهم مع أصاحب العقار حول حقهم في أرضية البناء ونسبة كل منزل منها، وما التعويض الذي سيحصلون عليه. 

يقول "سامر الجمعة" المهجر من محافظة "حماة" اشترى أخي "علي"  منزل في مدينة سلقين، وبسبب الزلزال توفى هو وزوجته وتبقى إثنين من أبناءه على قيد الحياة، ومنذ أواخر شهر نيسان\أبريل  طرحت على صاحب العقار موضوع حصة منزل أخي، وكيف سيكون التقسيم، وهل سيتم بيع أرضية البناء وتقسيمها على أصحاب المنازل، إلا أننا لليوم لم نصل لصيغة نهائية بسبب وفاة عدد من أصحاب المنازل واصابة آخرين، وربما من المبكر سيكون البت بهذه القضية الشائكة. 

الحديد مقابل الهدم

لم تثني خطورة بناية رائد الشاويش في مدينة سلقين قبل إزالتها من إرادته باستخراج ما بقي من أثاث ومستلزمات معيشة، ذهب بها الى مركز الايواء لخيمته التي أصبحت سكنه بعد منزله الذي بلغ ثمنه واكساءه أكثر من 27 ألف دولار، كحال منازل الكثيرين المتضررين بالزلزال. 

وبعيداً عن جهود الأهالي، كلفت إدارات المناطق بشمال غرب سوريا ورشات خاصة لهدم الأبنية المتصدعة كلياً، ونقل أنقاضها مع الأبنية المنهارة تماما جراء الزلزال، وتتقاضى الورشات أجور الهدم والترحيل من بيع حديد الأبنية المهدمة بأكثر المواقع.

"وحيد الحسين" يقول لراديو روزنة، عملت على هدم وإزالة وترحيل أنقاض 22 بناء في سلقين وحارم وعزمارين وبسنيا غرب ادلب، 17 بناء منها كانت أجرته للحصول على الحديد المستعمل في البناء، وباقي الأبنية اتفق أصحابها  معي على بيع الحديد بأنفسهم واعطائي أجري بشكل نقدي.

بعد عدة تواصلات وطروحات للصحفي من معد التقرير مع حكومة الإنقاذ بخصوص الرسوم المفروضة على عمليات البناء و الترميم في إدلب، أصدرت حكومة الانقاذ قرارين ينص الأول الصادر منها في الـ 28 من شهر ايلول سبتمبر 2023، على إعفاء العقارات المهدمة جراء الزلزال و القصف وطلبات تشييد السور من رسوم الكشف الفني.

ويطرح السؤال هنا في ظل تضارب القرارات، وخسارة بين التعويض الغير كافي ودفع مبالغ مالية لاستخراج رخص البناء من سيعوض الأشخاص الذين رمموا منزلعم قبل اصدار قرار الإعفاء؟