"قروض بلا فوائد": حكومة النظام عاجزة وتدعو السوريين لتركيب الطاقة الشمسية


حبيب شحادة

 بعد سنوات من فشل حكومة النظام في توفير الكهرباء للسوريين لجأ أغلبهم إلى مولدات الكهرباء التي تعمل على المحروقات. لكن مع انعدام توفر الأخيرة نتيجة أزمة الوقود المتكررة وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، تخلت فئة  من السوريين عن كهرباء النظام وتوجهت نحو بدائل أخرى كالطاقة الشمسية.   

في 21 حزيران/يونيو من العام الفائت 2022، أعلنت وزارة الكهرباء التابعة للنظام عبر صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة (أحدث بموجب القانون رقم 23 الصادر في تشرين الأول/أكتوبر 2021) البدء باستلام طلبات الراغبين بالاستفادة من الخدمات التي يقدمها.

وقسَّم الصندوق المستفيدين إلى 3 فئات، منزلي يحصل على دعم100% من تكلفة إنشاء المشروع بمدة إقراض 15 عاماً وزراعي مشروط بكون المشروع مرخص كضخ المياه من الآبار أو وحدة تبريد للفاكهة أو مدجنة أو هاضم حيوي للمخلفات لإنتاج غاز عضوي ويدعم باستطاعة سقفها 20 كيلو واط ولمدة عشر سنوات، وفي القطاع الصناعي سقف الدعم 20 كيلو واط لمدة خمس سنوات.  

في المقابل، استنكر سوريون سعي النظام السوري اليوم إلى فرض ضريبة على تركيب طاقة شمسية، إذ دعا ثائر جوهري عضو مجلس محافظة دمشق في تصريحات صحفية إلى فرض رسم على من يركّب منظومات ألواح شمسية للإنارة والمصاعد والمياه الساخنة، بقيمة تتراوح بين 20 – 30 ألف ليرة على اللوح الواحد، بهدف إنارة شوارع دمشق والتخلص من الظلام أثناء انقطاع الكهرباء، دون خلق أعباء وتكاليف جديدة على الدولة، حسب قوله. 

ورغم إعلان النظام السوري عن قروض بدون فوائد للطاقة الشمسية للموظفين وغيرهم، إلا أن الاعتماد عليها ظل شبه معدوم كنتيجة لتدني رواتب الموظفين( متوسط الراتب 95 ألف ليرة) وقلة دخل من يعيش في مناطق النظام مقارنة بحجم القرض وطريقة سداده، عدا عن تكلفتها الباهظة وسوء نوعية الألواح المتواجدة في السوق.

قسط شهري مرتفع

يمتنع أغلب موظفي حكومة النظام عن قرض الطاقة الشمسية بسبب عجزهم عن تسديد دفعاته الشهرية التي تتجاوز نصف الراتب، "راتبنا يدوب يكفي 10 أيام بدون قروض" كما قال وليد خالدي، 45 عاماً، لـ "روزنة"، وهو أب لخمسة أطفال يعمل موظف حكومي، ويعيش في ريف دمشق مكتفياً بإنارة منزله على بطارية 200 أمبير كان اشتراها منذ سنتين بـ 300 ألف ليرة. 

ويشرح الموظف الأربعيني معاناته وأسرته من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة تتجاوز الـ 20 ساعة يومياً، مشيراً إلى أنه حتى بطارية الليدات لم تعد تشحن جراء التقنين الكهربائي الجائر، حسب وصفه. متمنياً لو كان يملك القدرة لتركيب لوح طاقة شمسية وليس منظومة كاملة. 

وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة بسبب أزمة المحروقات المستمرة منذ أشهر، وسط عجز حكومة النظام عن توفير البدائل للسكان واكتفائها بدعوتهم للاستثمار في الطاقة البديلة التي تمتنع عن الاستثمار بها، حسب عدد من سكان دمشق التقتهم "روزنة". 

تحايل على القرض 

لكن، رغم امتناع موظفين عن قرض الطاقة الشمسية، هناك من لجأ إليها لتغطية احتياجاته المعيشية أو العمل بمبلغ القرض وليس لتركيب منظومة طاقة شمسية، كما قال سامر، 51عاماً وهو موظف في شركة مياه اللاذقية غربي سوريا. مشيراً في حديثه لـ "روزنة" إلى أن هناك شركات محلية تساعد الموظفين في التحايل على القرض عبر تركيب 6 ألواح على السطح وبعد الكشف من قبل مشرفي القرض على منظومة الطاقة تأخذ الشركة المنفذة حصتها وتقوم بفك الألواح وتعطي باقي المبلغ لصاحب القرض. 

وتقوم أغلب الشركات بذلك، لتسهيل إجراءات القرض عبر علاقاتها ومعارفها، وفقاً لسامر، الذي ركب فقط لوحي طاقة شمسية مع انفرتر وبطارية لتشغيل الإنارة بتكلفة وصلت إلى 6 مليون ليرة دفعها أخاه اللاجئ في المانيا منذ سنوات.

وتقبل طلبات الراغبين في الاستفادة من قروض الطاقة الشمسية بعد إجراء دراسة فنية تشمل كفاية السطح الذي ستركب المنظومة عليه وطبيعة ملكيته، وفي حال كان ملكية جماعية يحتاج إلى موافقة المجلس البلدي أو المحافظة وفي حال كانت ملكيته تعود لصاحب الطلب لا يحتاج لهذه لموافقة، وبعدها يحال الطلب إلى المصرف لدراسته ودراسة الملاءة المالية لصاحبه، كما قال زهير مخلوف مدير صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة في تصريحات صحفية. 

وبلغ عدد طلبات التمويل لدى الصندوق أكثر من 6 آلاف طلب معظمها ورد من حلب وحماة وريف دمشق لتركيب منظومة طاقة متجددة لأغراض زراعية وليس منزلية، وفقاً لمخلوف.

كم تكلفة تركيب طاقة شمسية؟

تتطلب منظومة الطاقة الشمسية ألواح كهروضوئية وأسلاك وبطاريات وجهاز مسؤول عن تحويل التيار من مستمر إلى متناوب "إنفرتر"، وتتراوح تكلفة المنظومات الشمسية المنزلية بين 12 مليون ليرة سورية و20 مليونًا، حسب رصد "روزنة" للأسعار في أسواق عدة بدمشق. 

 ويشرح وليد طه،43 عاماً، وهو مهندس مختص بالطاقة وتركيب الشبكات بدمشق في حديثه لـ "روزنة" أن سعر اللوح الواحد من ألواح الطاقة الشمسية يختلف حسب استطاعته، التي تبدأ بـ 100 واط بسعر 300 ألف ليرة، والـ 200 واط بين  600 – 700 ألفاً، و512 واط سعره مليون و850 ألف ليرة.

ويضيف، كذلك تحتاج منظومة الطاقة الشمسية إلى بطارية أنبوبية هندية ذات الـ 100 أمبير سعرها بين مليون إلى مليون و250 ألف ليرة سورية، والـ 200 أمبير بين مليون و750 ألف ليرة، ومليوني ونصف ليرة سورية، وانفرتر الـ 1600 واط سعره بين مليون و700 ألف و2مليون، ويرتفع السعر أكثر كلما ارتفعت قدرة الألواح التي تتيح تشغيل أجهزة أكثر في المنزل، وكلما تغيير سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي وفقاً لـ طه.  

ومنظومة الطاقة الشمسية الأقل تكلفة، تحتاج حسب طه إلى تركيب 6 ألواح يختلف سعرها حسب جودتها واستطاعتها، إضافة إلى مستلزمات أخرى كالكبل الكهربائي (سعر المتر 17 ألف ليرة) يمتد من الألواح إلى منظم الطاقة ومن ثم الانفرتر والشاحن والقواطع (75 ألف ليرة) وقاعدة الحديد (سعر الكيلو 12500 ليرة) التي ستركب عليها المنظومة وبطاريتين وشاحن بطارية. 

وينوه طه إلى أن هناك تكاليف أخرى غير معدات منظومة الطاقة الرئيسية، وهي تكاليف تبديل أجهزة الإضاءة من عادية إلى أجهزة موفرة للطاقة تتوافق مع منظومة الطاقة الشمسية.

إذ تحتاج تمديدات الطاقة الشمسية إلى مسارات مستقلة عن تمديدات الكهرباء النظامية في المنزل، عدا عن تبديل النيونات إلى ليد، وهنا يجب أن يكون تركيب منظومة الطاقة تحت إشراف مهندس مختص لتلافي مشاكل التركيب خصوصاً لناحية إجراءات الآمان وميلان الألواح حسب قول المهندس. 

حلول طاقوية أرخص 

مقابل هذه التكاليف المرتفعة التي تفوق قدرة أغلب السوريين، هناك من اتجه نحو حلول أقل تكلفة كتركيب لوحين للطاقة الشمسية (كل لوح 100 واط) وبطاريتين عاديتين (100 أمبير) وطنية، كما قال فهد الطويل، 55 عاماً، وهو عامل مياومة، مشيراً في حديثه لـ "روزنة" إلى أن تكلفة الإنارة التي ركبها بلغت حوالي 5 مليون ليرة استدان نصفها. 

ويعمل الطويل عامل مياومة في سوق الزبلطاني بدمشق، ولكنه اضطر إلى تركيب طاقة شمسية مصغرة، حسب وصفه لمساعدة أبنائه الثلاثة على القيام بواجباتهم المدرسية في ظل تقنين كهربائي طويل، معتبراً في حديثه لـ "روزنة" أن وضع الكهرباء ساء كثيراً بعد كثرة الحديث والدعوات إلى تركيب ألواح الطاقة الشمسية. 

ألواح بنصف عمرها تغرق السوق

رغم اضطرار البعض لتركيب منظومة طاقة متكاملة، لكنه تفاجأ فيما بعد بحاجتها للإصلاح وتغيير بعض الألواح، وهذا ما حدث مع المزارع يحيى رحال، 57 عاماً، وهو مزارع ركب طاقة شمسية بكافة معداتها واحتياجاتها ومن النوعية الجيدة على بئر مياه بتكلفة 21 مليون ليرة. معتبراً في حديثه لـ "روزنة" أن ألواح الطاقة الشمسية الـ 16 التي ركبها تعطل 3 منها بعد ثلاثة أشهر من التركيب ما أدى إلى عدم تشغيل محرك موتور المياه.

وهذا ما جعل رحال يعود إلى الشركة التي ركبت له المنظومة، فتبين بعد فحصها أن هناك ألواح تحتاج للتبديل وأخرى انخفض جهدها ما اضطره لدفع أكثر من 2 مليون ليرة لتبديل ثلاثة ألواح مرة ثانية.

وعن ذلك، قال طه لـ "روزنة"، هناك ألواح طاقة شمسية "بنصف عمرها دخلت إلى السوق السورية خلال السنتين الفائتين عبر تجار ومستوردين محسوبين على السلطة"، مشيراً إلى أن أكثر من 70 % من الألواح الموجودة في السوق المحلية غير مطابقة للمواصفات، ودخلت بعد صدور قرار من وزارة الكهرباء بإنشاء مختبر الطاقات البديلة بريف دمشق (صحنايا) لفحص الألواح في شهر أيار/مايو من العام الفائت 2022. 

وشدد، طه على أن السوق السورية تشهد انتشار محال وشركات مختصة بالطاقات البديلة تستورد وتبيع وتحقق ربح فاحش دون أدنى رقابة عليها من حكومة النظام. وهو ما أكده في وقت مسؤول في مركز بحوث الطاقة لدى وزارة الكهرباء في تصريحات صحفية، أن ما بين 40-50 بالمئة من اللواقط الشمسية المعروضة في السوق مجهولة المواصفات. 

كما لا توجد شركة محددة ومعروفة تستورد هذه الألواح، إنما تُستورد عبر تاجر أو اثنين وتوزع محلياً وفقاً لطه، ويضيف، هذه الألواح عمرها الافتراضي غير معروف، وهناك شركات محلية تعطي كفالة 5 سنوات لكنها قد تُغلق بعد أقل من عام. 

وكانت وزارة التجارة الداخلية التابعة للنظام حددت هامش ربح بيع مستلزمات الطاقة البديلة بـ 15% للمستورد وتاجر الجملة و15 % لبائع المفرق. لكن رئيس جمعية حماية المستهلك عبدالعزيز المعقالي قال حينها في تصريحات صحفية "إن معظم الباعة في السوق لا يلتزمون بهوامش الأرباح المحددة"، مقدراً هوامش الربح التي يتقاضاها الباعة بـ 100% لكل من الألواح والبطاريات والانفيرتارات.