
حلول مبتكرة لإقامة بيوت متنقلة للمتضررين من زلزال سوريا
سهاد الخضري
تتهرب حكومة النظام السوري عن التزاماتها تجاه متضرري زلزال الـ 6 من شباط، وعدم تفعيل صندوق الطوارئ، الذي أعلنت عنه بشكل واضح، في ذات الوقت برزت مبادرات فردية لتقديم بدائل لحل مشكلة السكن للمتضررين، وطرح مقاولون ومهندسون مشاريع لإقامة كرفانات وبيوت متنقلة في المناطق المتضررة من الزلزال على اختلافها في سوريا.
مسؤولية غائبة ولا حلول واضحة
لم تتبنى حكومة النظام السوري أي مبادرة او تعويضات لسكان مناطق شمال غرب سوريا، على اعتبارها مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، ولم تقدم حلول تعاونية لإنقاذ المتضررين من الزلزال سواء على مستوى الحوار الداخلي أو الدولي.
وتعهد بشار الأسد في خطاب متلفز بعد عشرة أيام بتأمين مساكن دائمة للمتضررين قائلاً: "فقد بدأت المؤسسات الحكومية المعنية بالعمل على توفير المساكنِ المؤقتة، ريثما يتم تأمينُ المساكنِ الدائمةِ في مرحلة لاحقة .. وحالياً تتِم دراسة تأسيس صندوق لدعم المتضررين بهدف مساندتهم ريثما يتمكنون من استعادة قدراتهم الحياتية بجوانبها المختلفة، وذلك بعد الانتهاء من إحصاء الأضرار، ووضعِ المعايير لتحديد المشمولين وأسس الدعم.."، وخص فيها فقط سكان حلب و حماة واللاذقية.
ومع غياب أي تعليمات عن صندوق الطوارئ أو قيمة التعويضات، رغم مرور نحو شهر على وقوع الزلزال، قدم مصرف الوطنية للتمويل الأصغر يطلق قرض (ساند) المخصص لترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة من الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة بقيمة تمويل تصل حتى 18 مليون ليرة سورية ودون أي فائدة، وعلى فترة سداد تمتد لست سنوات.
وتعهدت غرفة تجارة دمشق في الـ 26 من شباط فبراير/الماضي ببناء مقسمين على الهيكل في مدينة حلب للمتضررين، المدير العام لهيئة الاستثمار مدين دياب في حديثه لـ صحيفة الوطن السورية عن بدء التفاوض مع أحد المستثمرين لمنحه رخصة بناء مساكن مسبقة الصنع وقد بدأ إعداد الدراسة.
ونقلت صحيفة الوطن السورية في الـ 2 من آذارعن اللجنة العليا للإغاثة، آخر الاحصائيات عن حجم الضرر للبنى التحتية و الأفراد بسبب الزلزال.

وحسب اللجنة العليا للإغاثة أن عمليات استكمال المسح للمباني لاتزال جارية، ويتم تجهيز مراكز إيواء جديدة، يتم تجهيز المواقع المقترحة لإنجاز وحدات سكنية مسبقة الصنع، يتم توزيع المواد الإغاثية استناداً إلى قواعد البيانات المنجزة للأسر المتضررة.
الصناعيون في الشيخ نجار قدموا مساكن بديلة
منطقة الشيخ نجار وهي منطقة صناعية و تقع في المناطق التي تسيطر عليها حكومة النظام السوري.
يتحدث سعد سعود غنايمي رئيس مجلس إدارة المنطقة الصناعية بالشيخ نجار عن الحرفيين لـ" روزنة " بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا صمم الصناعيون 3 نماذج لـ "كرفانات"، أو ما يسمى ببيوت مسبقة الصنع، كل منها مقسم إلى غرفة أو أكثر، وصالة بمنافعها تتضمن مطبخ و حمام مزود بألواح الطاقة الشمسية، والإنارة، حيث تم تصميمها لتكون معزولة عن العوامل الجوية من حرارة أو برودة، وعزلت هذه الكرفانات بمواد كاتمة للصوت سهلة التنفيذ بمساحات من 12 لـ 30 متر، فاعليتها مضمونة لمدة خمس سنوات.
يقول غنايمي: "رغم رواج الفكرة بمجرد نشر صورها على السوشيال ميديا لكن لم يتواصل أحد من الجهات الحكومية أو الإغاثية لتنفيذها خاصة أن سعر الكرفان يتراوح من 2200 لـ 6800 دولار حسب المساحة، وهو سعر يصعب على أسرة متضررة تحمل كلفتها لوحدها، أهلنا المتضررين يفترشون الشوارع و الحدائق في المطر بعد أن تهدمت بيوتهم و إلى الآن لم أنفذ سوى نماذج فحسب " .

إحدى ورش صناعة المنازل مسبقة الصنع
إحدى ورش صناعة المنازل مسبقة الصنع
العقوبات الدولية و مدخلات التصنيع
يعاني جميع العاملين في صناعة الكرفانات من ارتفاع سعر الدولار وانهيار قيمة الليرة السورية التي وصلت نحو 7300 ليرة سورية.
يقول سعود غنايمي: " 50% من المواد الخام الداخلة في صناعة هذه المساكن غير متوفرة في الأسواق المحلية كـ" الموكيت و ألواح الطاقة الشمسية والعوازل الحرارية، وغيرها من المواد الأولية "بسبب العقوبات الدولية الموقعة على سوريا منذ ما يزيد عن 10 سنوات، ووقف الاستيراد مما يرفع تكلفة التنفيذ.
ويبين أن سعر تكلفة إنجاز الكرفان الواحد ارتفعت من 7 ملايين إلى نحو 20 مليون بسبب انخفاض قيمة العملة المحلية.
وتقول واشنطن أن العقوبات الاقتصادية لا تستهدف السوريين وإنما فقط رئيس النظام السوري بشار الأسد والداعمين له والبنك المركزي، فيما يخالف الكثيرون هذا الرأي بسبب عدم وجود آلية واضحة تسهل عمل البنوك الغربية التي ترفض التعامل مع السوريين خشية أن تطالها العقوبات.

صور تعبيرية من لجان تقييم المباني في شمال غرب سوريا
صور تعبيرية من لجان تقييم المباني في شمال غرب سوريا
جنديرس تحاول التعافي
في منطقة جنديرس و هي من المناطق المنكوبة ايضا في شمال غرب سوريا، صمم محمد حامض، وهو صاحب شركة معادن نموذج لكرفانات بمساحتين، الأولى 20 متر مربع والثانية بـ 27 متر مربع، بكلفة وصلت إلى 3000 دولار.
وجنديرس هي منطقة شمال غرب سوريا تسيطر عليها فصائل معارضة من بينها الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة.
يخربنا محمد لـ روزنة : "عرضت نماذج الكرفانين على بعض المنظمات الإغاثية في المنطقة، لكن لم يطلب بعد أحد المتضررين تنفيذه".
يتضمن الكرفان الذي نفذه محمد، غرفتين ومطبخ وحمام كل منهما مقاوم للحرارة، ومزودين بمصادر تدفئة وإنارة وماء حلوة و مالحة عن اختلاف تكلفة التصميم في المناطق الخاضعة للنظام عن المعارضة، يشير عضو لجنة تقييم أضرار الزلازل إلى توفر المواد الخام لديهم، علاوة على سيطرة بعض المسيطرين على الأسواق في مناطق النظام مما قد يكون سببا في رفع التكلفة.

رأي مخالف.. المساكن المؤقتة ليست الحل
البيوت المتنقلة ليست حلاً مناسباً للمتضررين خاصة في ظل تكلفتها الكبيرة وتقول جميلة أوزشام الحاصلة على ماستر في ميكانيك المنشآت ( التفاعل المشترك بين التربة والمنشآت تحت تأثير الهزات القوية )، وتقول : "من الأفضل أن تبنى الأسرة بيت بيتوني من طابقين يراعي اشتراطات الكود الزلزالي عند التصميم وتنفيذ المباني بدلا منه".
يؤكد مصطفى سقر، وهو مهندس مدني استشاري وعضو لجنة مسح وتقييم أضرار الزلازل التي شكلتها نقابة المهندسين السوريين الأحرار أن الكرفانات ليست حلا مثاليا لمتضرري الزلزال من أهالي سوريا بل لا تعدو أكثر من حل إسعافي مؤقت لا يتجاوز الـ6 أشهر و الأفضل هو الأبنية البيتونية والتي لا تتخطى تكلفته الـمسكن الواحد للعائلة 6000 دولار بما يحفظ كرامة المواطنين ويجعلهم يعيشون في مساكن لائقة كبقية الناس.
يأمل عضو لجنة تقييم أضرار الزلزال أن تقوم الأمم المتحدة بتشييد هذه المباني ومساعدة العائلات السورية ممن يعيشون في خيام أو كرفانات بسبب التهجير وظروف الحرب أو الزلزال وبناء ضواحي سكنية متكاملة لهم، والنقابة على استعداد لتقديم الدراسات والتصميمات المطلوبة لإنشاء هذه الضواحي.
أرجعت أستاذة الهندسة المدنية بجامعة غازي عنتاب والمتخصصة باستجابة المبانى للزلازل، أسباب انهيار عدد كبير من المباني خلال زلزال الـ 6 من شباط فبراير إلى سوء التصميم والبناء وسرقات المقاولين في مواد البناء.
وفقا لأوشازم بعض الأبنية في مناطق الشمال الغربي و التي ضربها الزلزال، لم تبنَ مبانيها على أن تكون مقاومة للأحمال الزلزالية مما كان سببا رئيسيا في تفاقم الخسائر، إضافةً إلى أن الشمال السوري هو الأقرب البؤرة الزلزالية لذا كان الأكثر ضرراً و جنديرس خير مثال و هو مالم يكن يحدث في وقت سابق، حيث كانت المباني لا يصدر لها ترخيص إلا بمراعاة الدراسة الزلزالية".
النشاط الزلزالي في سوريا
منذ زلزال الـ 6 من شباط لا تزال الهزات الارتدادية مستمرة، و قد تجاوزت الـ 6 آلاف هزة حتى الآن.
صحيح أن البلاد لم تكن نشطة زلزالياً، ولكن مرصد الزلازل في سوريا كان قد تنبأ بحصول هزة متوسطة في البلاد، وذلك في بداية العام الجاري.
وعلى مدار السنوات الماضية شهدت سوريا عدة زلازل لعل أبرزها عام 1759 ، حيث وقع زلزال مدمر دمشق بدرجة 7.8 ريختر.
وفي عام 1822 شهدت حلب زلزالاً مدمراً أيضاً على نفس الفالق الزلزالي الذي حصل فيه زلزال عام 2023 وبذات القوة، وتخلف الآلاف من الضحايا و ملايين المتضررين الذين فقدوا منازلهم أو أضطروا لترك مساكنهم.
وأرجع المهندس محمد مظهر شربجي رئيس شعبة المهندسين بريف دمشق سابقاً أسباب إنهيار المباني في سوريا لعدة أسباب أهمها: "عدم السلامة الإنشائية والبناء بشكل عشوائي كمناطق الشمال السوري، أما في حمص و اللاذقية و حماة والمناطق التابعة لسيطرة النظام فلقد انهارت المباني لعدم إنشائها بشكل يقاوم الزلازل فضلاً عن الخلل بتنفيذ الكود السوري للمباني المقاومة للزلازل، أو الخلل بالمعايير والمواصفات أو التلاعب بمواد البناء أو كمياتها أو التربة لم تكن ملائمة".
ويشدد شربجي على عدم منح نقابة المهندسين رخص دون دراسات هندسية إنشائية أو إلتزام بالكود السوري.
أجرى تجمع المهندسين السوريين عن زلزال الـ 6 من شباط و هو الأقوى في المنطقة منذ عقود وضرب شمال سوريا وجنوب تركيا، دراسة حصر فيها أبرز المناطق المتضررة من حيث الوفيات، والإصابات، والمنازل المدمرة جزئياً و كلياً.
في هذا السياق يرى المهندس شربجي ضرورة إلزام الجهات المعنية كنقابة المهندسين و البلديات المقاولين بتنفيذ المباني وفقاً للكود السوري أو اتحاد المهندسين العرب، مع تعديل النقاط الخاصة بالمباني العالية وتطبيق النظريات الإنشائية المستخدمة في دول اليابان و الصين عند العزل بين القواعد و البناء.
واشترط كذلك اختيار المواد الآمنة المستخدمة في الدول المتقدمة، والعمل وفق أسس هندسية معتمدة من مراكز بحثية عالية، وإعادة النظر في الأسس الهندسية المستخدمة و اختيار أشكال هندسية معمارية تبتعد عن الأشكال الحادة و الزوايا الكثيرة كى لا تتأثر بسهولة بالزلازل مع الاعتماد على الأشكال المنتظمة كالمستطيلة و المربعة وعد الاهتمام بالناحية الجمالية دون النظر للمتانة و سلامة المنشآت وإعادة النظر لأسس التخطيط العمراني.
يؤكد المهندس سقر، أن منطقة جنديرس هي من أكثر المناطق تضررا بالزلزال، ووصلت بلغت نسبة المباني المتضررة حوالي 70% ما بين مهدمة أو غير صالحة للسكن حالياً، وبحاجة لتدعيم أو إزالة، بينما بلغت نسبة الأضرار في صوران نحو 15% ،وعفرين 10% و أعزاز 5%.
ووفقا لمعاينات الفريق الهندسي على أرض الواقع هناك نحو 30% من المباني المتضررة في الشمال السوري هي مباني حديثة لا يتخطى عمرها الـ15 عاما، ويرجع السبب فانهيارها إلى عدم تقيد هذه المباني لاشتراطات الكود الزلزالي عند تشييدها فضلا عن سوء التنفيذ مما أدى لأضرار جسيمة فيها.
ويقول: "نصف المباني في بعض مناطق محافظة إدلب منهارة أو غير صالحة للسكن وبحاجة لإصلاح أو إزالة، أما المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام في مدينة حلب فقد عانت سابقاً من القصف مما أدى لانهيار وتصدع معظم مبانيها، فكانت تلك المباني المتصدعة غير قادرة على مقاومة تأثير القوى الزلزالية وأدى إلى انهيار الكثير منها، علماً أن معظم هذه الأبنية كانت غير مأهولة بالسكان.
في ظل هذه الكارثة وغياب أي حلول واضحة لمتضرري الزلزال على اختلاف مناطقهم، قد تبدو الكرفانات هي الحل الأكثر وضوحاً ولكن ليس بصناعة محلية، حيث تبنت بعض الدول الخليجية إرسال كرفانات جاهزة لتأمين سكان هذه المناطق.