
مسابح إدلب: "مالديف" المقتدرين و"مصيف" بعيدُ المنال للفقير!
نور الدين اسماعيل
إن كنت مقيماً في إدلب وريف حلب، وتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، فمن شبه المؤكد أنك صادفت منشوراً، قد يكون ممولاً، يسوّق لمزارع ومسابح إدلب الخاصة، بعنوان ترويجي لأحدها، قابله الكثير من تعليقات التهكم والمقارنة: "أشبه بجزر المالديف".
مع ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير في عموم سوريا، يبدأ موسم حجز المسابح للهروب من موجة الحر، والترويح عن النفس من قبل بعض الأهالي في إدلب، بينما يعجز عدد كبير منهم على استئجار تلك المسابح التي لا تتناسب مع دخلهم اليومي.
تسعيرات مختلفة لأجرة المسابح، تختلف بين أيام الأسبوع، والنهار والليل، فيختار البعض أياماً ضمن الأسبوع للحجز، بينما يسعى آخرون لاستئجار المسابح التي يفضلونها في يومي الخميس والجمعة.
مع عدم قدرة نسبة واسعة إلى السفر خارج المحافظة، بغرض السياحة، لأسباب أمنية وسياسية واقتصادية أيضاً، يحضر السؤال عن المسابح والمقارنة بين الأفضل فيها والأقرب بين السوريين في شمالي غربي سوريا.
حتى إن مجموعة في فايسبوك "مسابح محافظة إدلب"، تضم في عضويتها 29 ألف شخص، إضافة لمجموعات أخرى، هدفها فقط تبادل النصائح والترويج للمزارع والمسابح الخاصة في المنطقة.
متنفس وفسحة للاستمتاع
في ظل قلة الأماكن السياحية العامة التي تحتوي على مياه، أو بسبب بعدها عن الكثافة السكانية، تبقى المسابح الخاصة المقصد الأول للباحثين عن الاستجمام صيفاً، لأنها توفر بديلاً مناسباً للعائلات أو الشبان الذين يبحثون عن بعض الخصوصية.
والبعض الآخر يفضلّها لقربها من أماكن سكنهم، حيث من الصعب على من يسكن في مدينة إدلب أو سرمدا أو الدانا ارتياد أماكن سباحة عامة كنهر العاصي الذي يمر من غرب محافظة إدلب بالقرب من الحدود التركية (مناطق جسر الشغور وسلقين وحارم)، أو بحيرة ميدانكي بريف عفرين.
اعتاد أيمن ورفاقه في كل عام، على حجز مسبح في مدينة الدانا شمال إدلب مرتين أو أكثر خلال الموسم الصيفي الواحد، فيقول لـروزنة": "من الصعب علينا السفر إلى مدينة دركوش (منطقة جسر الشغور) أو بحيرة ميدانكي، فالمسافة طويلة، وبتلك التكلفة يمكننا استئجار مسبح قريب، إضافة إلى توفير الجهد والمشقة".
يضيف أيمن موضحاً سبب اختيارهم للمسبح الخاص بدلاً من ارتياد مسبح عام: "كما أنك لا تستطيع الحصول على وقت ومساحة مخصصة للسباحة في مسبح عام بسبب الازدحام الكبير في تلك المسابح، خصوصاً في ظل وجود أطفال وفتيان وضجيج، لذلك نقوم بحجز مسبح خاص نتقاسم أجرته جميعاً".
أسباب أخرى تدفع ريمة ورفيقاتها لاستئجار مسبح خاص، فالخصوصية التي يؤمنها لهنّ غير موجودة بالقرب من الأنهار والمسطحات المائية العامة، فتقول في حديث لـ"روزنة": "نبحث عن أجواء تناسبنا كنساء، فأشترك مع رفيقاتي على استئجار مسبح في سلقين (غرب إدلب)، نقضي فيه وقتاً ممتعاً، علماً أن بعضنا لم تتعلم السباحة، إلا أن الهدف هو الصحبة والبحث عن أوقات راحة بعيداً عن العمل".

فسحة نسائية وعائلية
أسباب أخرى تدفع ريمة ورفيقاتها لاستئجار مسبح خاص، فالخصوصية التي يؤمنها لهنّ غير موجودة بالقرب من الأنهار والمسطحات المائية العامة، فتقول في حديث لـ"روزنة": "نبحث عن أجواء تناسبنا كنساء، فأشترك مع رفيقاتي على استئجار مسبح في سلقين (غرب إدلب)، نقضي فيه وقتاً ممتعاً، علماً أن بعضنا لم تتعلم السباحة، إلا أن الهدف هو الصحبة والبحث عن أوقات راحة بعيداً عن العمل".
تسعى بعض العائلات للاجتماع في يوم عطلة وقضاء بعض الوقت هرباً من الضغوطات وأجواء الحر اللاهبة التي تمر بالمنطقة.
قبل أيام أخذ أبو محمد، وهو ربّ أسرة، عائلته إلى مسبح في مدينة إدلب، مع بداية موجة الحر الأخيرة، فيقول لـ"روزنة": "الهدف الأول كان الترويح عن العائلة، إضافة إلى سعيي في تعليم أولادي السباحة، لأنه لا يتوفر لهم ما توفر لنا في السابق، حين كنا نقوم برحلات إلى الشواطئ السورية، وهو أمر غير ممكن اليوم".
مشاريع ربحية
يهدف أصحاب المسابح الخاصة إلى تأمين أجواء تخدم رغبة روادها، من الأجواء الرطبة والمحافظة على الخصوصية وقضاء الأوقات التي يبحثون عنها، مقابل الحصول على أجرة محددة.
تختلف أسعار المسابح من منطقة إلى أخرى، ففي حين تصل أجرة المسبح 24 ساعة إلى 75 دولار يوم الخميس، و100 دولار الجمعة في دركوش، تبلغ في مدينة إدلب 70 دولاراً، ونصف تلك الأجرة لاستئجار المسبح 12 ساعة في تلك الأيام، بينما تتراوح في بقية أيام الأسبوع بين 40 و 60 دولاراً.
تحدث أبو سمير، وهو صاحب مسبح في مدينة إدلب، لـ"روزنة" بالقول: "المسبح هو مشروع ربحي كأي مشروع يقوم به صاحبه بهدف كسب الربح، إلا أن المسابح تعمل بشكل موسمي، وهو الأمر الذي يحتم عليك تلك الأجور".
ويتابع أبو سمير حديثه: "لا يبدأ الموسم بشكل فعلي حتى الأول من حزيران، وينتهي نهاية شهر أيلول، أي أنك تعمل في مشروعك 4 أشهر فقط من أصل 12 شهراً في العام، وأول ما يترتب عليك هو تعويض رأس المال الذي أنفقته على تجهيز المسبح".

الخبز أَولى
على الرغم من الازدحام الذي تشهده المسابح الخاصة صيفاً، إلا أن عدداً كبيراً من الأهالي لا يمكنه ارتيادها بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم قدرتهم على تأمينها.
يجني صادق من مطعمه الشعبي في إدلب ما بين 100 و150 ليرة تركية في اليوم (الدولار الواحد يساوي 26 ليرة تركية)، يتحدث لـروزنة: "عن عدم قدرته على استئجار مسبح خاص، فأجرة البيت الذي أقيم فيه 50 دولاراً في الشهر، وأجرة المحل الصغير الذي أعيش منه 35 دولاراً، أي أنني بحاجة إلى 85 دولاراً شهرياً، قبل تأمين بقية مستلزمات البيت، فكيف سأتمكن من استئجار مسبح أجرته في اليوم الواحد أكثر من 50 دولاراً، الخبز أولى؟!".
ولدى سؤالنا سناء التي تعمل خياطة في مدينة سلقين عن سبب عدم اصطحاب أطفالها إلى المسبح، أجابت: "أولاً لا أملك المال الذي يخولني استئجار المسبح، فأجرته مرتفعة جداً، ثانياً ولأكون صادقة معك، أنا لا أجرؤ على اصطحابهم في غياب والدهم المعتقل، لأنني لا أعرف السباحة وأخشى سقوطهم في الماء".
بين البحث عن أوقات استجمام للهرب من أجواء الحر والضغوط اليومية المختلفة، وبين أجور المسابح المرتفعة التي يبرر أصحابها بأنها عادلة، يبقى الحصول على لحظات يصفها البعض بـ"السعيدة" بعيداً عن متناول الكثيرين الذين همهم الأول تأمين لقمة العيش.