بدي اسمع كلمة ماما.. عندما يكون حلم الأمومة ليس أولوية

علياء أحمد

حدد الطبيب لابتسام موعداً لزيارته في الحادي عشر من شهر نيسان، لمناقشة إمكانية الإنجاب، طوال المسافة حتى باب العيادة، كانت تتخيل كيف سيكون شكل طفلها القادم، متسائلة: هل سيكون فتاة أم ولد، يشبهها أو سيشبه أباه؟.

وصلت فعلا إلى العيادة، صعدت الدرج إلى الطابق …تسابقها أرجلها حتى تصل إلى موعدها المنتظر.

ولكن، 17 مليون ليرة سورية أطاحت بحلم ابتسام بأن تصبح أماً، فبعد محاولات عديدة للحمل بشكل طبيعي كان لابد لها أن تطرق باب الطبيب باحثة في مسارات الحمل عن طريق طفل الأنبوب بعد بلوغها سن الـ 41 عام. 

ابتسام وهي خريجة علم نفس تعمل مع بعض الجمعيات المدنية في مدينة طرطوس، تزوجت العام الفائت، أخبرها الطبيب أن نجاح العملية لا يتجاوز الـ 17 بالمئة.

يرفض زوج ابتسام مساعدتها مالياً في تحمل كلفة العلمية، تقول : "زوجي أرمل ولديه 3 أطفال، يخبرني أن أولاده أولادي، ولا داعي لدفع النقود الكثيرة مقابل هذه النسبة الضئيلة لنجاح العملية".

وتتفاوت تكاليف طفل الأنبوب في سوريا، بين مركز وآخر، ومحافظة وأخرى، إلا أنها تتراوح عموماً بين 15 إلى 20 مليون ليرة سورية، تشمل الأدوية والتحاليل وكلفة إجراء العملية، بينما لم تكن تتجاوز كلفتها قبل عام 2011، الـ200 ألف ليرة بالحد الأعلى، وكانت بعض المراكز تجريها بـ100 ألف ليرة سورية.

اللجوء للجمعيات الخيرية

تحتار النساء في إيجاد صناديق مالية داعمة لرغاباتهن بتحقيق حلم الأمومة، فهي خارج أولويات دعم التأمين الصحي، وكذلك دعم الجمعيات الخيرية.

سلاف 36 عاماً، موظفة حكومية، لجأت للجمعيات الخيرية بعد أن تعسرت في تأمين قيمة عملية طفل الأنبوب، ولم تترك جمعية واحدة في محافظة اللاذقية لم تلجأ لها، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، وكان الجواب يأتيها دائماً: "هناك عمليات أخرى أكثر أهمية وحاجة لأصحابها، مثل عمليات القلب وغيرها".

حاولت سلاف البحث في إمكانية تمويل عمليتها من خلال القروض، إلا أنها لم تنجح فسقف قرض ذوي الدخل المحدود لا يتجاوز الـ5 مليون ليرة، وقياساً بقيمة راتبها الذي يبلغ 125 ألف ليرة، فإنها ستحصل على نحو 3 ملايين ليرة من قيمة القرض.

 وهو رقم لا يشكل شيئاً يذكر من مصاريف عملية طفل الأنبوب التي أخبرها الطبيب أن كلفتها 16 مليون ليرة، ربما تزيد قليلاً حسب حاجتها واستجابتها للأدوية.

تراجع بعدد العمليات

وتراجعت أعداد عمليات طفل الأنبوب في سوريا، بسبب ارتفاع تكاليفها جراء التضخم الكبير وانهيار العملة المحلية.

ويقول مصدر في أحد مراكز طفل الأنبوب بمدينة حلب، فضل عدم الكشف عن اسمه، إن أعداد العمليات بلغت في مركزه  خلال عام 2022 الفائت، 24 عملية، أي بمعدل عمليتين شهرياً، بينما كان يجري 8 عمليات في الشهر الواحد سابقاً قبل عام 2011.

يضيف المصدر الذي سمح بداية بذكر اسم المركز، ثم عاد وطلب عدم ذكر اسمه: "60 بالمئة من زبائني هم من المغتربين الذين يزورون بلادهم لأجل هذه الغاية، على اعتبار أن تكاليف عملية طفل الأنبوب خارج سوريا أكبر بكثير".

ولا ينكر قيامه ببعض العروض والخصومات في مواسم الأعياد لاستجلاب زبائن جدد.

نقص الأطباء.. مشكلة جديدة

تتزايد كل عام أعداد الأطباء المهاجرين من سوريا، ومنذ عام 2021 بدأت مشكلة جديدة تواجه مراكز طفل الأنبوب، تتمثل بقلة أعداد الأطباء.

وبحسب ريما (اسم مستعار ) وهي طبيبة مختصة بهذا النوع من العمليات ، فإنها كطبيبة تتنقل بين محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، لإجراء هذا النوع من العمليات، وتضيف: "تراجع أعداد المقبلات على طفل الأنبوب، يمنح نوعاً من التوازن مع تراجع أعداد الأطباء، ولو ازدادت أعداد الراغبات بهذه العملية، فإن هذا يوضح الحاجة الكبيرة لأطباء وطبيبات جدد".

ويزيد من قسوة الوضع الاقتصادي على المرضى حسب الطبيبة، أن التأمين الصحي الذي تندرج فيه موظفات القطاع العام لا يشمل المعالجات الخاصة بمعالجة العقم أو عمليات الإخصاب. وحسب الطبيبة لا يمكن لأي طبيب/ة كتابة أن طلب صورة ايكو المطلوبة مراجعة أسباب تأخر الحمل ، وإلا فإن المريضة لن تستطيع الاستفادة من التأمين أبداً.

الطبيبة ذاتها تجهز أوراقها اليوم للسفر إلى العراق بعد الحصول على عقد عمل هناك، وتقول إن غيابها ربما يؤدي لإغلاق المراكز الثلاث بحال لم يعثروا على طبيب جديد، إلا أنها لا تمتلك حلاً آخر ولا تريد متابعة الحياة في سوريا.

مشفى التوليد الجامعي

في العام 2008، شهد مركز العقم وطفل الأنبوب في مستشفى التوليد الجامعي بدمشق، أول عملية ولادة لطفل أنبوب أجريت فيه، واستمر المركز بتقديم خدماته بأسعار رمزية حتى عام 2011.

أغلق المركز الحكومي الوحيد في البلاد أبوابه مطلع الحرب، مقابل وعود سنوية بإعادة افتتاحه مجدداً، حتى تحصل المعجزة عام 2022، إلا أن البداية كانت متعثرة جداً نتيجة الظروف العامة في البلاد.

المصادر وفي التصريح ذاته كشفت عن إعادة افتتاح مركز طفل الأنبوب بأسعار رمزية، بينما تعتبر عمليات طفل الأنبوب من العمليات الباردة أساساً، والتي أوقفتها المشفى نتيجة أزمة المحروقات.

ومن الصعب اللجوء لمركز طفل الأنبوب في مشفى التوليد الجامعي حالياً، إذ أن الأمر يحتاج لرحلة طويلة من التحاليل وإمكانية قبول الحالات، وتسجيل دور طويل، يضاف إلى ذلك أن الكلفة التي وصفها المصدر لـروزنة بالرمزية، تتراوح بين 5 وحتى 8 مليون ليرة تقريباً، وهو مبلغ يستحيل على ذوي الدخل المحدود في سوريا أصلاً تأمينه.

ويواجه السوريون عموماً أزمة اقتصادية خانقة، تجعل من احتياجاتهم الأساسية أحلاماً بعيدة المنال، تبدأ بلقمة العيش ولا تنتهي بتحقيق حلم الأمومة.