
دفن عائلته وعاد ليعالج مصابي الزلزال
منار عبد الرزاق
في ليلة الـ 6 من شباط، جدران هائجة وأصوات من الأرض مخيفة وكأنها ليلة القيامة، ركضت الأم حاملة ابنها الرضيع، تحاول النجاة مع طفلتين صغيرتين من الزلزال، الذي باغت أحلامهم الصغيرة فجراً.
في تلك الأثناء كان الأب، وهو الطبيب محمد حمرا، على بعد عشرات الكيلومترات، وقد استفاق على الزلزال أيضاً في المشفى الذي كان مناوباً فيه، يحاول إنقاذ من بقي حياً من مصابي الزلزال.
لحظات قاسية مضاعفة مر بها الكادر الطبي و المسعف في شمال غرب سوريا أثناء الاستجابة لضحايا الزلزال، فمعظمهم كان عليهم أن يستكملوا عملهم بينما لا يزال عدد من أهاليهم عالقين تحت الركام.
يقول الطبيب محمد، بينما كنت أتابع عملي الميداني في المشفى، شاهدت عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ صورًا "مرعبة" لحجم الدمار الذي خلفه الزلزال بمدينة أنطاكيا في الجنوب التركي، حيث تقيم زوجتي وأطفالي..حاولت الاتصال مرارًا دون جدوى..لم يرد أحد على اتصالي".
وتعتبر مدينة أنطاكيا واحدة من أكثر المدن التركية التي تعرضت لأضرار كارثية جراء الزلزال.
القلق على مصير العائلة؛ دفعه لعبور معبر باب الهوى الحدودي باتجاه تركيا بمفرده؛ متوجهًا إلى منزله الواقع في حي الجمهوريات بمدينة انطاكيا، ولدى وصوله إلى مكان البناء الذي يقيم فيه؛ وجد حجم الدمار هائلًا.. لا شيء يدل على وجود عائلته التي كانت تقطن في الطابق السادس من البناء.


صورة تعبيرية من مدينة انطاكيا - زلزال 6 شباط 2023
صورة تعبيرية من مدينة انطاكيا - زلزال 6 شباط 2023
جلس محمد على ركام البناء المنهار، وبدأ بالصراخ؛ علّه يسمع صوتًا من هنا أو أنينًا من هناك لأحد أفراد عائلته؛ لكن دون جدوى، إذ استمر صراخه ومناجاته لأكثر من أربع ساعات، دون مجيب، وهو ما تزامن مع وصول أقاربه من مدينة الريحانية القريبة؛ ليقومون باصطحابه معهم إلى مكان آمن.
يقطع مشهد عملية مجيء أقاربه من الريحانية..صورة ابنتاه لارا (9 سنوات) وشهد (11 عامًا)، اللتان تمكنتا من النجاة من داخل البناء المنهار.
فلقد حفرت الصغيرتان لمدة أربع ساعات متواصلة تحت الأنقاض؛ لتتمكنا من العبور إلى خارج المبنى عبر فتحة صغيرة..يبتعدان عن منزلهما المدمر.. يتمددان على مقعد موقف الباص القريب؛ لأكثر من 4 ساعات.
فجأة تلمح لارا والدها ..لكنها لا تستطيع الصراخ…تطلب المساعدة من رجل تركي قريب.. ينادي الرجل على الدكتور محمد.. يلتفت إلى الوراء.. ليرى ابنتاه ممددتان على مقعد موقف الباص.. يغطيهما حرام شتوي.. وهما يأنان.. يعود إليهما مسرعًا.. فيجد لارا سليمة لكن لديها بعض الكسور وشهد (بخير) لكن عليها بعض غبار المنزل، وتعاني من بعض الرضوض.
حاول العثور على طفله الرضيع الذي لم يتجاوز عمره الـ 3 أشهر، وزوجته التي تبلغ من العمر 37 عامًا دون جدوى، عاد إلى البناء في اليوم التالي، وشاهد من سطحه المدمر كرسي ابنه الرضيع..وقد أطبق سقف الغرفة عليه.
الزمن يمر بصعوبة، ويطلب من أقاربه المساعدة..يهدمون سقف غرفة النوم؛ ليجدوا تحته زوجته تحتضن طفله الرضيع وقد فارقا الحياة.
حمل جسد زوجته المتوفية وطفله الصغير، ليدفنهما في داخل سوريا، ويعود إلى المشفى في اليوم الثالث من الزلزال ويتابع تقديم العلاج للمصابين؛ يقول الطبيب: "أصبحت أتبادل التعازي والمواساة معهم".