خوفاً على شرف العائلة.. نساء سوريات ممنوعات من استخدام السيارات الخاصة


علياء أحمد 

 تمضي جمانة وهي الموظفة في إحدى الدوائر الحكومية بريف اللاذقية نحو ساعتين بالمتوسط يومياً بانتظار وسيلة نقل عامة، إلى جانبها وعلى ذات الرصيف يقف أحمد جارها الأربعيني، ولكنه بخلافها لا يضطر للانتظار كل هذا الوقت، فهو قادر على إيقاف أي سيارة أو دراجة نارية تمرّ أمامه ليصعد إليها حتى توصله للعمل.

فالمجتمع لا يسامح جمانة ويتهمها بسوء السمعة إن استخدمت ذات الحل، غير آبهين بالمدة التي ستنتظر فيها وصول الحافلة أو السرفيس أو حتى كم سيُخصم من راتبها جراء التأخير اليومي، ناهيك عن العقوبات الادارية.

وتعاني سوريا عموماً من أزمة نقل حادة نتيجة أزمة المحروقات المستمرة، ويمضي غالبية أهلها، خصوصاً الموظفون والطلاب، ساعات كثيرة في انتظار وسائل النقل العامة، وسط بروز دعوات عبر منصات السوشيال ميديا تطلب من أصحاب وصاحبات السيارات الخاصة، بالتوقف لأي عابر/ة سبيل على طريقهم.

وتعاني محافظة اللاذقية كغيرها من المدن السورية من أزمة نقل كبيرة نتيجة انقطاع المحروقات عن السيارات والباصات في عموم البلاد. ما يتسبب في تأخر الموظفين والطلاب عن المدارس و الجامعات والالتحاق بالوظائف يومياً.

بالجكر..كُسرت القيود

في صباح أحد أيام شهر كانون الأول من العام الماضي، طلبت لمى 32 عاماً تعمل كمحامية، من زوجها إيصالها بسيارته إلى أوتستراد اللاذقية، والذي يبعد عن منزلهما نحو 4 كم فقط، حتى تتمكن من الوصول إلى موعد عملها في الوقت المناسب، إلا أن زوجها رفض وتحجج بعدم وجود البنزين.

تدرك لمى أن البنزين مجرد حجة، فعمله كصاحب صيدلية زراعية لا يبدأ باكراً مثل عملها، وتضيف: "عمله قريب من منزلنا، كما أنه يبدأ عند الساعة التاسعة صباحاً، ولو أراد توصيلي فإنه سيستيقظ قبل ساعة ونصف من موعد استيقاظه، لذا يفضل استخدام أي حجة كي لا يستفيق".

"حين كان سعر البنزين معقولاً ولم تكن هناك أزمة خانقة كما اليوم، كان يقول لي "خدي تاكسي على حسابي ولا تفيقيني بكير".
تقول لمى

تقول لمى إنها وبردة فعل غاضبة، قامت بإيقاف سيارة خاصة والصعود بها، وتضيف: "شعرت بالخوف بعض الشيء أولاً، لكن سرعان ما بدد السائق اللطيف الخوف وأخبرني أنه يحاول مساعدة الناس على الطرقات، وبالفعل فقد توقف لعدة أشخاص لا يعرفهم حتى امتلأت السيارة".

عند عودتها قامت بإخبار زوجها بما حدث، رفض الفكرة، لكنها اشترطت عليه إيصالها وإلا فليصمت وليدعها تدبر أمورها.

توقف الجدال عند هذا الحد، بينما كسرت لمى كل القيود، ولم تعد تكترث بنظرة المجتمع، وباتت تمتلك الجرأة لإيقاف أي سيارة خاصة والصعود بها، وحتى تشجيع النساء في قريتها على الفعل ذاته.

كلام الناس لا يرحم

صفاء 39 عاماً، هي الأخرى تعيش في ريف جبلة وموظفة في أحد مشاغل الخياطة داخل المدينة، كانت قد وافقت على عرض ابن جارتها الذي لا يزيد عمره عن 23 عاماً، لإيصالها عبر دراجته النارية إلى أقرب نقطة من مكان عملها، حيث يمرّ يومياً بحكم عمله هو الآخر.

فارق السن الكبير بينهما لم يشفع لها أمام الجيران والناس، وزاد الطين بلة كما يصفها البعض بأنها غير متزوجة، وبعد الكثير من الشائعات أجبرها شقيقها الذي يصغرها بـ7 سنوات، على استخدام وسائل النقل العامة فقط، لأن "سمعتهم صارت بالأرض من ورائها"، كما قال لها شقيقها حرفياً.

استنجدت صفاء بوالدتها، إلا أنها خذلتها وأخبرتها أن "تقصر الشر"، وتتوقف عن الركوب على الدراجة النارية مع جارهم الشاب، وقالت لها حرفياً: "لستِ وحدك من تعانين، فتيات كثر مثلك، فهل جميعهنّ يفعلنّ ذلك، حافظي على سمعة العائلة ولا تدفعي شقيقك لمشكلة كبيرة فهو صاحب عائلة".

ورغم أن معاناة النساء من أزمة النقل واحدة في الريف والمدينة، إلا أن خيارات النساء الموظفات داخل المدينة أسهل نوعاً ما، فعدد السيارات أكثر والمسافات أقصر، وفي أسوأ الأحوال يكون المشي أحد البدائل المتاحة للسيدات في المدينة، أو حتى انتظار الباص ولو لوقت أطول.

تجربة سيئة

لكنّ حظ بيلسان 38 عاماً بخلاف تجربة لمى، لم يكن جيداً وعاشت تجربة سيئة جداً، بعد تعرضها للتحرش من قبل سائق السيارة الخاصة الذي أوقفته، لتنزل من السيارة في منتصف الطريق بمكان شبه ناء، بعيد عن المنازل السكنية، قلّما يمرّ فيه باص ركاب بمقعد فارغ، عانت كثيراً قبل أن تتمكن من العثور على وسيلة نقل للوصول إلى عملها.

تقول سناء، إنها قررت أن تتخلى عن الفكرة، بعد تعرضها للتحرش بشكل مباشر، وحين رفضت، قال لها السائق: "إذاً لماذا أوقفتيني إن لم تكوني تريدين ...."، وأردف أنه لن يجبرها على شيء وبإمكانها أن تنزل فوراً، وهذا ما حدث.

وتشهد مدينة اللاذقية حالة من الإنفلات الأمني شبيهة بتلك التي تشهدها عموما المحافظات السورية الأخرى، وباعتبار أن النساء هنّ الحلقة الأضعف بالمجتمع السوري غالباً، فإنهنّ يدفعنّ ثمن الإنفلات الأمني بشكل مضاعف، ففي شهر كانون الثاني الفائت، لقيت الشابة إيلين ساتيك حتفها طعناً بالسكين من قبل شاب على دراجة نارية، طعنها ثم دهسها بدراجته ليتأكد من موتها.

الحادثة التي هزّت المجتمع السوري حينها، جرّت في وضح النهار بالقرب من مشفى السويد عند دوار الأزهري، وهي منطقة تشهد اكتظاظاً كبيراً.

حالة الانفلات الأمني والخطر الذي تسببه يلاحق الأهالي إلى منازلهم وأمكنة عملهم أيضاً، ففي عام 2021، قُتل طبيب القلبية كنان علي بتفجير داخل عيادته وسط المدينة، ليتبين لاحقاً أن القاتل كان يريد الثأر من الطبيب الراحل، بعد أن رفضت شابة طلبه للزواج، وترتبط بالطبيب علي، في جريمة تشهد على ذكورية المجتمع، وعدم تقبل كثير من الرجال لفكرة أن ترفضهم امرأة.

تعاني النساء من أعباء مضاعفة نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي بالبلاد، يبدأ من التمييز في التعيينات والمكافآت ولا ينتهي بالعثور على مقعد آمن في المواصلات العامة, بل ويضاف إليه حمل قد يكون أشدّ ثقلاً، متمثل بالمجتمع الذكوري والصورة النمطية، التي تحتاج لنساء شجاعات جداً ليكسرنها شيئاً فشيئاً، لتحقق الأمل المنشود ولو بعد حين.