
المزارعون في إدلب محاصرون ما بين تغير المناخ وزكاة تحرير الشام
سامر المحمود
تحت شمس حارقة وبينما كان المزارع هاني العكام يجمع نتاج محصوله لهذا العام من القمح والشعير، كان نحو 17 فردا من عناصر هيئة تحرير الشام في منطقة الأتارب غرب حلب يبنون حاجزاً عسكرياً لمصادرة ضريبة القمح لهذا العام من إنتاج المزارعين.
عندما وصل المزارع هاني إلى الحاجز، فتش عناصر الهيئة المحصول، وقدروا نسبة الضريبة بحوالي 600 كيلوغرام، ولم يشفع لهم توسله أو رجائه بترك محصوله، فعلى المزارع البسيط إطعام عائلته المكونة من 8 أشخاص.
بلغت نسبة إنتاج الدونم الواحد من أرض هاني 250 كيلو غرام من القمح فقط، نتيجة تأخر المطر.
فالأراضي الزراعية عانت من جفاف كبير هذا العام، بعد أن ارتفعت معدلات درجات الحرارة نحو 5 درجات حسب مركز الأرصاد الجوية في دمشق، وانخفضت نسبة الهطولات المطرية على نحو كبير.
ويزيد من واقع حال الفلاحين البسطاء سوءاً الضريبة المالية التي فضتها هيئة تحرير الشام على محاصيل الأراضي الزراعية الواقعة تحت سيطرتها بنسبة ثابتة ومقدارها 5% غير قابلة للمراجعة غير آبهة بوضع المحاصيل ونسبة الإنتاج.

على قائمة الخطر
المزارع هاني ليس الوحيد الذي واجه مظلومية هيئة الزكاة، فلقد أطاحت أيضاً بأحلام "يونس الحمد" بالوفاء بوعده لابنه في شراء كمبيوتر محمول بمناسبة نجاح ابنه ووصوله لسنته الثانية الجامعية.
ينحدر يونس من معر تمصرين شمال مدينة إدلب، وتمتد أرضه على مساحة 60 دونم، وقد وصلت كلفة زراعتها هذا العام إلى 4100 دولار أمريكي.
يقول :"استدنت كلفة الزراعة على أمل الربح من المحصول، لكن الأرض اقتصر إنتاجها على 12 طن فقط، سلبت منها حواجز هيئة الزكاة التابعة لتحرير الشام حوالي 550 كيلو غرام، لأقف عاجز هذا العام عن شراء الكمبيوتر لابني وتأمين ثمن الغذاء طوال العام القادم".

هيئة الزكاة والمحاصيل
أعلنت "هيئة تحرير الشام" عن تأسيس "هيئة الزكاة العامة" في ربيع العام 2019 ، وأطلقت يدها باتجاه محاصيل المزارعين في مناطق سيطرتها، على أن تكون تبعية هيئة الزكاة لقيادة هيئة تحرير الشام مباشرتاً دون تبعية لحكومة الإنقاذ الذراع الإداري لتحرير الشام في إدلب.
يدير "هيئة الزكاة العامة" قيادات من الصف الثاني في "تحرير الشام"، بغية ضمان وصول الأموال الناتجة عن عملية الاستيلاء على منتجات المزارعين للدائرة الضيقة النافذة في "تحرير الشام" بحسب الناشط "علي الادلبي".
بلغت كمية إنتاج القمح للعام الحالي قرابة 50 ألف طن من مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام بحسب وزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ في حين كان الانتاج العام الماضي حوالي 82 ألف طن.
قيمة الضريبة:
في كل عام ومع اقتراب موسم حصاد المحاصيل الزراعية من النضوج سنوياً، تعلن "الهيئة العامة للزكاة" عن حاجتها لتوظيف عمال يعملون بعقود موسمية بواقع أجر 200 دولار أمريكي خلال هذين الشهرين.
يبدأ عمل هؤلاء الموظفين بعد تلقيهم دورة لمدة ثلاثة أيام على آلية إنشاء حواجز على مفارق الطرق ومداخل البلدات والقرى، بقصد اعتراض السيارات والجرارات المحملة بالمحاصيل والاستيلاء على 5% من الحمولة.
أما عملية تقدير النسبة فهي تحسب بقياس مكعب السيارة أو الجرار وضربها بارتفاع الآلية، وبناءً عليه تُقدر الكمية.
وتبقى الحواجز المذكورة على اتصال دائم بالأجهزة الأمنية التابعة لتحرير الشام في حال رفض أي مزارع الوقوف على الحاجز يعاقب مبلغ مالي تصل نسبته إلى 10% من قيمة المحصول، بحسب الناشط ( س.ع) والذي رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية.
تتحجج الهيئة العامة للزكاة بحاجتها لهذه المحاصيل، وأنها توفر بقيمة بيعها أموالاً تساهم في انجاز عمليات جراحية للمحتاجين وتقديم المساعدات العينية للعوائل المحتاجة.

المزارعون يقاطعون
أمام تراجع مواسم الأمطار ومصادرة المحاصيل تحت مسمى "ضريبة الزكاة" قرر بعض المزارعين من التراجع عن زراعة المواسم القادمة.
المزارع "عامر السعيد" المنحدر من جنوب محافظة "ادلب"، يخبرنا: لا أرغب بزراعة أرضي العام القادم، بسبب الخسارة التي مُنيت بها للعام الحالي بمحصول القمح من جهة، واستمرار هيئة الزكاة بالاستيلاء على بعض محصوله من القمح وبعض محصول الزيتون باسم الدين من جهة أخرى، إذ لم تعد زراعة القمح ذات مردود جيد وكل عمله بالأرض خسارة ومضيعة للوقت".
في نيسان/أبريل الماضي، نشرت "لجنة الإنقاذ الدولية" تقريراً أشارت فيه إلى أن سوريا هي إحدى 10 بلدان حول العالم الأكثر عرضة لخطر الكوارث المناخية والاحتباس الحراري، مشيرة إلى أن "الجفاف الشديد وزلزال شباط الماضي، الذي أثر على مئات الآلاف من السوريين، سلط الضوء على التحديات المرتبطة بالاستجابة لحالات الطوارئ في بلد يواجه هشاشة عالية".
وأكد تقرير "لجنة الإنقاذ الدولية" أن "العواقب الكارثية لتغير المناخ موجودة بالفعل في سوريا، حيث الكوارث الطبيعية الأكثر تواتراً وشدة والطقس القاسي، تدمر سبل العيش، وتزيد من حدة الصراع العنيف، وتجبر الناس على الفرار من ديارهم".
"فريق منسقو استجابة سورية" في تقريره المنشور في التاسع من شهر حزيران/يونيو2023، أكد أن 89% من العائلات شمال غرب سوريا يعيشون تحت خط الفقر.
أما نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع شكلت نسبتها حوالي 40% من مجموع السكان في المنطقة ذاتها.
وبحسب إحصاء أجراه الفريق في مطلع شهر تموز/يوليو الحالي، يقدر عدد سكان محافظة إدلب وريف حماة الغربي إضافة لريف حلب الغربي والواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام بـ حوالي 4.5 مليون نسمة يشكل سكان المخيمات حوالي النصف منهم.
وقال برنامج الأغذية العالمي في تقريره في الـ 14آذار/ مارس 2023 إن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
وتعزي الأمم المتحدة هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، من بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية، فضلا عن آثار الصراع الذي سيتجاوز عامه الثاني عشر. هذا بالإضافة إلى الدمار الذي خلفته الزلازل التي ضربت سوريا وتركيا مؤخراً، والتي فاقمت الاحتياجات الإنسانية الكبيرة بالفعل.