لهُ المتعة.. وأنا أواجه اكتئاب الياسمين وحدي
"قتلتُ ابني.. لم تكن لدي الرغبة في الإنجاب، لكن ألمي على خسارة جنيني فاق ألمي الجسدي" بهذه العبارة القاسية بدأت وردة قصتها، الشابة الثلاثينية التي أجرت عملية إجهاض في إحدى المستشفيات الحكومية بولاية إسطنبول بعد فشل وسيلة منع الحمل.
يواجه سوريون كثر في تركيا تحديات صحية، منها عدم الحصول على التوعية الجنسية بما يتعلق بتنظيم الأسرة وتحديد النسل.
في هذا التقرير أجرينا مقابلات مع نساء ورجال سوريين مقيمين في تركيا، تحدثوا عن تجاربهم في استخدام موانع للحمل، وعن التحديات الصحية والاجتماعية وحتى المالية التي واجهتهم.
استعرضنا الخدمات المقدّمة من قبل مراكز صحة المهاجرين المتعلقة بتحديد النسل وتنظيم الإنجاب. كما استطلعنا عبر استبيان شارك فيه 245 امرأة ورجل سوريين مقيمين في تركيا حول معرفتهم بوسائل منع الحمل ومدى فعالية استخدامها.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR"صحفيون من أجل حقوق الإنسان"
تقيم وردة (اسم مستعار) 34عاماً مع زوجها وأطفالها، في ولاية اسطنبول منذ أن هربت من الحرب في سوريا عام 2014.
تنفق وأسرتها من "أسبوعية" زوجها الزهيدة، وردة ليس لها مردود مادي خاص بها، وزوجها يعمل في ورشة لصناعة الأحذية.
حمل فوق اللولب
تسرد وردة لنا قصتها بصوت خافت حزين "سمعت عن دكتورة نسائية في المركز السوري المجاور تقوم بتركيب لولب منع الحمل للنساء بسعر رخيص خلال دقائق معدودة".
اللولب هو أحد الوسائل المرغوبة عند النساء لمنع الحمل، أخبرتنا الطبيبة ريما عثمان اختصاصية توليد وأمراض النساء وجراحتها: " هنالك نوعان للوالب، اللوالب النحاسية واللوالب الهرمونية، كلا النوعين مفيدين لمنع الحمل، والاستخدام النموذجي للولب يتطلب تركيبه بشكل صحيح ومراقبة دورية لمنع أي انزياح قد يؤدي إلى فشل التمنيع".
تضيف الطبيبة: "يمكن أن يسبب اللولب النحاسي آلاماً أسفل الظهر أو زيادة في دم الحيض، أما اللولب الهرموني فهو مناسب لبعض النساء اللواتي يشتكين من نزيف طمثي شديد ويمكن استخدامه أثناء الرضاعة".
تكلفة تركيب اللولب الهرموني في المستشفيات الخاصة مرتفعة ( اللولب النحاسي معظم المستشفيات توقفت عن تركيبه)، قد تصل إلى خمسة آلاف ليرة تركية، بما يعادل 300 دولار أميركي، ووردة غير قادرة على تحمل نفقاته، شجعها السعر الزهيد للمركز "غير المرخّص" على خوض المغامرة، مضيفة "كانت تجربة مزعجة ومؤلمة وغير ناجحة للأسف فقد حملت بعد شهرين".
من الممكن حدوث الحمل فوق اللولب، "أغلب حالات الحمل فوق اللولب تكون هاجرة خارج الرحم وتتوجّب تدخلاً طبياً عاجلاً لإنهاء الحمل و حماية الأم" توضح الطبيبة.
وبحسب مركز الصحة والسيطرة على الأمراض التابع لوزارة الصحة الأميركية CDC ، فإن نسبة فشل منع الحمل باستخدام اللولب النحاسي تصل إلى 0.8% بينما نسبة فشل الاستخدام النموذجي للولب الهرموني تتراوح بين 0.1 و 0.4%
أجهضت وردة جنينها في الأسبوع السادس من الحمل "لأن الوضع لا يحتمل" كما وصفت "أشعر أحياناً بالحزن والغضب الشديد من زوجي، لو استخدم واقي ذكري ما كان صار اللي صار".
حبة الياسمين اللعينة
وردة ليست الوحيدة، كثيرات هنً النساء اللاتي عبرن عن رفض أزواجهن استخدام واقيات ذكرية بحجة "عدم شعور الرجل بالمتعة عند استخدام الواقي الذكري أثناء ممارسة الجنس" وفق ما رصدت روزنة على مجموعات نسائية مغلقة في فيس بوك تعنى بالحياة الجنسية للنساء.
تقول لمى سيدة سورية 25 سنة، متزوجة من ثلاث سنوات ولديها طفلة صغيرة تعيش في اسطنبول: "نستنفر بشكل يومي أنا وهاتفي المحمول عند تمام الساعة السابعة، حيث يرن المنبه مذكراً بموعد تناولي حبة الياسمين "اللعينة".
تستخدم لمى دواءً هرمونياً فموياُ لمنع الحمل وهو ما يعرف بين النساء عموماً باسم "حبة الياسمين".
لمى تواجه بعض الآثار الجانبية لحبوب منع الحمل، حيث تقول: "كسبت وزناً زائداً، أنا حقاً أشعر بالإحباط، من الالتزام بتناول الحبوب.. لا أحد يشعر بي، يمكنني تجنب هذه المشكلات، بالحصول على عشرين واقٍ ذكري مجاناً كل شهر من المستوصف لكنً زوجي يرفض استخدامه".
هنالك بعض الآثار الجانبية لموانع الحمل الفموية كالصداع والسمنة والإصابة بالتوتر، وفق ما أكدته الطبيبة ريما.
وبحسب الاستبيان المنشور من قبل "روزنة" توافقت نصف إجابات المشاركين تقريباً، أن الواقي الذكري هو أكثر وسائل منع الحمل أماناً على صحة الشريكين. في حين أن نسبة أمان حبوب منع الحمل كانت الأقل وفق إجابات من استطلعنا آراءهم.
وعند سؤالنا للصيدلانية خديجة حسين عن أفضل أنواع موانع الحمل نصحت باستخدام الواقي الذكري "إنه فعال للغاية عند استخدامه بشكل صحيح، كما يقي من العدوى المنقولة جنسياً (مثل فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز والتهاب الكبد B وغيرها..) وليس له آثار جانبية".
مجاناً وللنساء فقط
تقدّم مراكز صحة المهاجرين مجاناً وسائل لمنع الحمل للنساء المتزوّجات فقط، دون الرجال.
يقول الدكتور مصطفى لولك، طبيب أسرة في ولاية غازي عنتاب: "تقدّم مراكز صحة المهاجرين في تركيا ثلاث وسائل لمنع الحمل (الواقيات الذكرية، وحبوب منع حمل الهرمونية، وحقن منع الحمل التي تعطى للنساء الراغبات باستخدامها بعد الاستشارة الصحية مرة كل ثلاثة أشهر)".
وتجري بشكل دوري ندوات للتوعية والتثقيف المتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية يتم الإعلان عنها في المراكز.
يتحدث رامي (39 عاماً) مقيم في غازي عينتاب، لديه طفل وطفلة، لروزنة عن كيفية استخدامه مانع الحمل "زوجتي تنظّم العلاقة، فأنا لا أفقه بالأمور النسائية أبداً، كثيراً ما تمتنع عن ممارسة الجنس في أيام محدّدة قائلة إنها أيام خطيرة" ويتابع: "استخدم واقياًَ ذكرياً بناء على رغبتها".
ويقول الطبيب لولك "يعرض دكتور الأسرة على النساء المتزوجات ممّن تراجعن المراكز الصحية للمهاجرين في تركيا وسائل منع الحمل المتوفرة مجاناً، هذه الوسائل مقدمة من وزارة الصحة التركية، ومدعومة مالياً من الاتحاد الأوروبي، ويشرح للمستفيدة من الحصول على موانع الحمل كافة التفاصيل المتعلقة بشكل الاستخدام وطرقه. ويتم تنظيم مواعيد المنح وكميتها".
يموّل الاتحاد الأوروبي 185 مركزاً صحياً للمهاجرين في ولايات تركية مختلفة، تقدم خدمات صحية متنوعة لحاملي "بطاقة الحماية المؤقتة" ضمن اتفاقية موقعة بيت تركيا والاتحاد الأوروبي منذ العام 2017 أشار إليها وزير الصحة التركي فخر الدين كوجا عبر تغريدة له في توتير
تحصل النساء الراغبات في استخدام وسيلة منع الحمل على تعليمات الاستخدام، وخاصة بما يتعلق بالموانع الدوائية، كما تعطى الواقيات الذكرية للرجال عن طريق تسليمها للزوجة حصراً.
عند سؤالنا في الاستبيان المنشور عبر الانترنت في روزنة، أكدّ أكثر من ثلثي المشاركين عدم معرفتهم بوجود موانع حمل مجانية مقدمة للاجئين في مراكز الهجرة.
تتحمل المرأة المسؤولية الأكبر لمنع الحمل؟
طرحنا ضمن مجموعة"روزنة" النسوية في فيس بوك والتي تضم أكثر من سبعة آلاف عضو متفاعل "إنت قدها" سؤال: "للرجال فقط: هل عندك معلومات عن وسائل منع الحمل؟" جاءت إجابة من رجل واحد بالنفي وجاءت إجابات لنساء تؤكد أن الموضوع لا يعني الرجال مطلقاً.
تقول الأستاذة عائشة عبد المالك اختصاصية اجتماعية ونفسية "يحمًل المجتمع النساء مسؤولية منع الحمل، ويعود ذلك إلى ارتباط فكرة رجولة الرجال بالخصوبة، وبالتالي كل ما يمس القضايا الجنسية بما فيها استخدام منع الحمل يمس برجولتهم".
وتضيف "الحل يكمن في الوعي، لابد من رفع وعي النساء بأهمية تقدير الذات، وضرورة النقاش وفتح الحوار مع الشريك حول قضية منع الحمل".