
تبرّع أم فرض؟! مدارس تركية تشترط أموالاً لقاء تسجيل أطفال سوريين
إيمان حمراي
"هدايا مادية، لباس، مبالغ مالية تصل لـ 400 دولار أحياناً" مقابل تسجيل أطفال لاجئين سوريين في الصف الأول، يشترطها بعض المسؤولين في إدارات المدارس التركية.
تكاد هذه الشكوى أن تصبح عبئاً إضافياً على كاهل بعض السوريين المقيمين في تركيا الراغبين بتسجيل أبنائهم في المدارس الابتدائية مع بدء كل عام دراسي جديد.
عدد من العائلات السورية تواصلت معهم روزنة أكدوا أن إدارة المدرسة لم تسجّل أبناءهم إلا مقابل دفع مبالغ مالية.
حسب الشهادات التي جمعناها أثناء تحضير هذا التحقيق، تتراوح المبالغ المطلوب من خمسة آلاف إلى 10 آلاف ليرة تركية، أو يمكن تعويضها كهدايا كاللباس أو غير ذلك، وإلا لا يمكنهم تسجيل أطفالهم للبدء بالدراسة في الـ 11 من أيلول المقبل.
"اكتفينا من السوريين"
مها، مقيمة في ولاية غازي عنتاب، لم تستطع تسجيل ابنها في الصف الأول ضمن المدرسة القريبة من منزلها، وجاء الرد من المدير بأنهم اكتفوا من الطلاب السوريين.
ذهبت مها إلى مدرسة أبعد عن مكان سكنها قليلاً، فطلبت الإدارة هدية منهم مقابل التسجيل، تقول لروزنة: "سأل المدير زوجي عن مهنته فأجاب أنه يعمل في بيع الألبسة، ليطلب منه بنطلونات له، بقيمة 1500 ليرة تركية حتى وافق على تسجيل ابننا".
ضحايا آخرون

هبة: ارتفع المبلغ خلال يومين
هبة، مقيمة في ولاية غازي عنتاب، عند ذهابها إلى المدرسة المذكورة في تطبيق "e-devlet" القريبة من منزلها لتسجيل ابنتها، طالبتها إدارة المدرسة بالقدوم بعد شهر: "حالياً نسجّل الطلاب الأتراك، ولاحقاً الأجانب" هكذا جاءها الرد.
بعد شهر عادت إلى المدرسة، لكنها لم تستطع تسجيل ابنتها والتبرير أن "عدد الأجانب اكتمل في المدرسة ولا شاغر لابنتها".
حاولت هبة البحث عن مدرسة أخرى قرب مكان عملها، سألت الإدارة عن إمكانية تسجيل ابنتها، فوافقت بعد محاولات كثيرة، مشترطة دفع ألفي ليرة تركية، والعودة بعد يومين، لكنها تفاجأت عندما عادت بطلب مبلغ ثلاثة آلاف بدلاً من ألفين، "دفعت مضطرة" تقول هبة.

فراس: دفعت مضطراً
فراس، مقيم في ولاية إسطنبول اشتكى من ذات الأمر، حيث اشترط مدير المدرسة المحدّدة لابنه من قبل الحكومة، دفع مبلغ ألفي ليرة تركية مقابل تسجيله.
يشرح فراس لروزنة ما حدث معه: "طلب مني المدير ومن كل السوريين الموجودين تبرّع بقيمة ألفي ليرة تركية، وقال إنّ المساعدات الدولية التي كانت تأتي باسم السوريين توقفت، لذلك عليكم دفع هذا المبلغ".
أعطى المدير فراس ورقة مكتوب عليها: "المدرسة بحاجة للتبرع، تستطيع التبرع بمبلغ ما…" دون تحديد المبلغ، مع رقم حساب بنك المدرسة، يقول فراس: "اضطررت للدفع من أجل تسجيل ابني".
المدرسة مجبرة
وتعمل وزارة التربية والتعليم التركية على فرز الطلاب في كل منطقة بحسب المدرسة الأقرب إلى عنوانهم، حتى تضمن توزيع الطلبة بشكل منطقي على المدارس.
ويتيح تطبيق الحكومة الإلكتروني "e-Devlet" للشخص معرفة عنوان المدرسة التي عليه تسجيل طفله فيها، وهو تطبيق تابع للحكومة، متاح لجميع المقيمين في تركيا، إن كانوا مواطنين أو أجانب مقيمين بصورة شرعية "يمتلكون بطاقات برقم وطني TC".
المفتّش في مديرية التربية التركية سابقاً، والمسؤول في مديرية التربية بولاية إسطنبول، والمعلم المتقاعد، “ismet usul”، قال لروزنة، إن المدرسة التي حددها تطبيق الحكومة الإلكترونية "e-Devlet" لا يمكنها رفض تسجيل الطفل لديها، وإن حدث ورفضت تسجيله، أو طلبت مبلغاً مادياً مقابل التسجيل، على الشخص الذهاب إلى مديرية التربية وتقديم شكوى بحق الإدارة.
"المبالغ تطوعية وليست إجبارية"
تواصلت روزنة مع مصدر من داخل مديرية التربية في ولاية أورفة جنوبي تركيا، وأوضح أنّ تلك المبالغ التي تطلبها إدارات المدارس من أولياء الأمور ليس واجبة ولا ملزمة لتسجيل الأطفال في المدارس، وإنما تأتي على شكل مساعدة، وبشكل خاص من الأغنياء.
وأضاف: "بعض المدارس تطلب من الأهالي ماعون أوراق بيضاء، لكن هذا ليس منصوصاً بالقانون، وليس ملزماَ لأحد، ولا سيما الفقير".
التربوي مصطفى البطران، من مديرية التربية في غازي عنتاب، قال لروزنة في وقت سابق،عن المبالغ المادية التي تطلب من أولياء الأمور، إنّ تلك العادة "ثقافة موجودة لدى الشعب التركي، إذ يساهم من يريد وبكامل رضاه بمبلغ معين لدعم المدرسة لقاء تسجيل ابنه، ولا يذهب إلى جيب المسؤولين، وإنما يوضع ضمن خطة المدرسة لتدارك النقص فيها".
وتدعم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اللاجئين السوريين في تركيا في العديد من القطاعات، بينها قطاع التعليم.
"الاتحاد الأوروبي" قال في تقرير له، إن تركيا تستضيف أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري، وأكد أنه يلتزم بمساعدتها في التعامل مع هذا التحدي منذ عام 2011، وخصص نحو 10 مليارات يورو لمساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة في تركيا.
ويركّز الدعم المقدم من الاتحاد الأوروبي على "المساعدة الإنسانية والتعليم وإدارة الهجرة والصحة والبنية التحتية البلدية والدعم الاجتماعي والاقتصادي"، وخصص ما بين 2021 - 2023 مبلغاً قدره 3 مليارات يورو لدعم اللاجئين في تركيا.
ما أهمية تقديم الشكوى؟
نصح المسؤول في ولاية أورفة، أنه في حال رفضت الإدارة تسجيل الطفل، الذهاب إلى مديرية التربية وتقديم شكوى، تشرح فيها العائلة ما حدث وظروفها، مؤكداً أنه "لا يشترط للتسجيل في المدارس الابتدائية أي مبالغ".
وأشار إلى أنّ تلك المساعدات التي تُطلب تذهب إلى صندوق المدرسة لتسديد احتياجاتها، لكنها تُطلب من المقتدرين والأغنياء "من يريد تقديم المساعدة المادية يستطيع، أما من لا يريد لا يمكن إجباره، ولا يجوز اشتراط التسجيل مقابل مبالغ مادية" يقول المسؤول.
وتواصلت روزنة مع عائلتين منفصلتين، وعندما رفضت المدرستين القريبتين من منزليهما ، تسجيل أبنائهما، ذهبتا إلى مديرية التربية في المنطقة التي يقيمون فيها، قدمتا شكوى بحق إدارتي المدرستين، ليتم تسجيلهما فيهما دون أي اعتراض بعد تقديم الشكوى.
وتتم الشكوى من خلال ذهاب عائلة الطالب إلى فرع مديرية التربية في المنطقة التي تقيم فيها، وفي حال لم يكن هناك استجابة يمكن الذهاب إلى مركز مديرية التربية الرئيسي في الولاية.
الطلاب المتضرّرون من الزلزال
تتساءل العديد من العائلات السورية المتضررة من الزلزال جنوبي تركيا، والتي انتقلت إلى ولايات أخرى، أو التي تضرر بناؤها وانتقلت إلى منزل جديد بذات الولاية التي تقيم فيها عن إمكانية تسجيل أطفالها في المدارس مكان الإقامة الجديد.
عائشة هي أم لطفلين، طلبت إدارة المدرسة منها مبلغ مالي وقدره 10 آلاف ليرة تركية (حوالي 400 دولار أميركي)، مقابل تسجيل طفلها في الصف الأول، وعندما أجابت بأنها لا تملك هذا المبلغ، رفضت الإدارة تسجيلها وقالت لها: "10 آلاف ليرة أقل مبلغ عليكِ دفعه".
تقول عائشة لروزنة: "منزلي الذي كنت أقيم فيه والمقيد لدى مديرية النفوس تضرّر بالزلزال، اضطررت إلى السكن في منزل ضمن منطقة يحظر فيها سكن الأجانب، وذلك بسبب أزمة الإيجارات" وتوضح: "لا أستطيع تسجيل ابني في مدرسة ضمن منطقة سكني القديم لأنها بعيدة عن المنزل الحالي الذي أقيم فيه".
وإلى الآن لم تسجل عائشة ابنها في أي مدرسة بسبب عدم قبولهم إلا بمبالغ مادية لا تملكها، لذلك قررت تأجيل تسجيل طفلها إلى العام الدراسي في السنة المقبلة.

أحد الأبنية المتضرّرة من زلزال 6 شباط في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا
أحد الأبنية المتضرّرة من زلزال 6 شباط في ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا
مصدر في مديرية التربية بأورفة جنوبي تركيا، قال لروزنة، إن يمكن للأهالي الذين لم يسجلوا أطفالهم في المدرسة التي حددت لهم في تطبيق "e-devlet" التسجيل في مدارس أخرى، وتوضيح سبب التسجيل فيها، وغالباً ما يكون السبب "قرب المنزل من المدرسة"، وفي حال حدوث مشكلة ما يستطيع الشخص الذهاب إلى مديرية التربية وعرض مشكلته، لإيجاد حل لها.
المفتّش في مديرية التربية التركية سابقاً “ismet usul”، قال لروزنة، إن يمكن للأهالي المتضررين من الزلزال، سواء أكانوا من نفس الولاية أو قادمين من ولايات أخرى، تسجيل أطفالهم في المدارس بعد الحصول على ورقة تثبت أنهم متضررين من الزلزال، تستخرج من تطبيق الـ "e-devlet".
ويظهر عبر تطبيق الحكومة الإلكترونية، تصنيفات تقييم المنازل بعد الزلزال في تركيا، إن كانت صالحة للسكن أم لا.
وأطلقت الحكومة التركية في وقت سابق رابطاً لمعرفة المباني المتضررة جراء زلزال 6 شباط.
حق اللاجئ في التعليم
وفق "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" إن لدى جميع اللاجئين السوريين الحق في التعليم ويمكنهم الالتحاق بالمدارس التركية بعد أن تصدر السلطات التركية رقم هوية للأجانب.
وحول التسجيل، توضح المفوضية، أن على الشخص تسجيل طفله في أقرب مدرسة حكومية، والوثائق الوحيدة التي يحتاج إليها هي: الهوية تركية وإثبات عنوان السكن، الذي من خلاله تحدد مديرية التربية المدرسة الأقرب إلى المنزل.
وبحسب المفوضية، تقوم وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية ووزارة التعليم الوطني والهلال الأحمر التركي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بتنفيذ برنامج للمساعدة الاجتماعية على الصعيد الوطني ويسمى "التحويلات النقدية المشروطة للتعليم" للاجئين.