
التغير المناخي جرس إنذار من يسمعه في سوريا؟
مصعب الياسين
كان يوم السادس من شباط / فبراير 2023 الذي صادف حدوث الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، اليوم الأشد مطراً خلال ذلك الشهر أعقبه انخفاض على مدى يومين بدرجات الحرارة، ومنذ ذلك التوقيت انقطعت الأمطار عن شمال غرب سوريا حتى منتصف شهر أذار، بحسب المزارع "يحيى الصالح".
ويُعتبر شهر شباط / فبراير الباكورة الأساسية للأمطار على القمح، خصوصاً في الفترة الممتدة من العاشر من شهر شباط / فبراير حتى نهايته، فهي بمثابة الفترة الذهبية لرش الأسمدة حتى تتغذى الجذور، لكن هذا العام انقطع المطر بشكل نهائي عن البلاد سيما منطقة "سهل الروج" حيث تقع أرض يحيى.
وقد سجلت درجات الحرارة ارتفاعاً بـ نحو 5 درجات مئوية، بين العاشر من شباط فبراير، والعاشر من آذار/ مارس بحسب بيانات مديرية الأرصاد الجوية التابعة لـ "حكومة النظام".
يناقش التقرير التأثير المناخي على محصول القمح شمال غرب سوريا، وأثرها السلبي على السلعة الزراعية الأهم للسكان، بالاعتماد على شهادات لمزارعين وخبراء بمجال الزراعة والمناخ.


تهديد متزايد
لم يستطع المزارع "خالد العدنان" القاطن في منطقة "سهل الروج" سقاية محصوله من القمح من مياه البئر خلال العامين الماضيين، بسبب تدني مستوى المياه فيه فأرضه تحتاج إلى 7 لتر مازوت عن كل ساعة تشغيل في حين أن ري الدونم الواحد يحتاج لـ 3 ساعات، وهذا يعني ما مقداره 13$.
وعلى غير العادة السنوية كانت ترع الري في مناطق "سهل الغاب" و"سهل الروج" و"بنش" و"جسرالشغور"سيما سد الدويسات شبه خاوية من المياه في شهور الشتاء منذ العام 2021، نظرا لانقطاع هطول الأمطار في تلك الفترة والتي أدت لتدهور مخزون الآبار السطحية والجوفية .
يعمل الكثير من المزارعين على ري محاصيل القمح في أيام انقطاع المطر، بيد أن السنوات القليلة السابقة انخفض مستوى الآبار السطحية والجوفية إلى مستويات خطرة.
ومنذ العام 2021 شهدت الحوامل السطحية للمياه جفافاً وصل لحد الـ 60%،في حين تراجعت مستويات المياه في الآبار الجوفية إلى أكثر من 30 متر، بالوقت الذي فقدت فيه الحوامل الجوفية لعامل الضغط، مما يعني أن المزارع بحاجة انزال مضخات المياه أكثر بشكل دائم للحصول على المياه بحسب الخبير الجيولوجي "رامي العلي".
سوريا تتعرض لأسوء موجة جفاف منذ 70 عامًا حسب بيان وزارة البيئة والإدارة المحلية في حكومة دمشق، وأضافت أن سوريا تعاني من آثار تغيّر المناخ.
وبينت الوزارة في تصريحات لصحيفة البعث في مطلع العام 2022 أن "الحد من توافر المياه بسبب التغيرات المناخية سوف يؤدي إلى تقليص الإنتاجية الزراعية الحاليّة، وبالتالي يهدد الأمن الغذائي في سوريا.


عام الخسارة
يملك صالح أرض ممتدة على نحو 43 دونم، يزرعها بالقمح ويرشها بالسماد، لكن الجفاف لهذا العام أطاح بالموسم. فالبذور لم تتغذى على السماد وانخفض الإنتاج من 450 كيلو في الأعوام السابقة إلى حوالي 200 كيلوغرام للعام الحالي.
عام الخسارة، لقب أطلقه المزارعون على موسم القمح لعام 2023، فصالح لم يكن المزارع الوحيد الخاسر في هذا الموسم، بل كان حال مئات المزارعين أيضاً.
وفي نيسان\أبريل الماضي، نشرت "لجنة الإنقاذ الدولية" تقريراً أشارت فيه إلى أن سوريا هي إحدى 10 بلدان حول العالم الأكثر عرضة لخطر الكوارث المناخية والاحتباس الحراري، مشيرة إلى أن "الجفاف الشديد وزلزال شباط الماضي، الذي أثر على مئات الآلاف من السوريين، سلط الضوء على التحديات المرتبطة بالاستجابة لحالات الطوارئ في بلد يواجه هشاشة عالية".


حوكمة زراعية غائبة
تراجعت الحوكمة الزراعية بسبب سنوات الحرب، وغابت آليات التعافي ومواجهة المناخ.
ولم تستطع وزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة من لعب دور فاعل في هذا القطاع، لتشغيله ما يسمى وزارة الزراعة في الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام.
حيث غاب التنظيم الزراعي للمحاصيل التي تستهلك المياه الجوفية، وغياب ادارة المخلفات الزراعية ولجوء بعض الفلاحين إلى حرق المخلفات الزراعية بدل إعادة تدويرها بالشكل الصحيح.
لازال سد البالعة الواقع في منطقة سهل الروج غرب إدلب جافاً منذ العام 2013، بسبب توقف الضخ إليه من نهر العاصي وعين الزرقا بعد توقف عمل مؤسسة الري التابعة لحكومة دمشق.
لم تعمل حكومة الانقاذ على تفعيل مشروع الضخ الأمر الذي أفضى لانقطاع مياه الري عن آلاف الدونمات واعتمادها على مياه الأمطار فقط، مما أفضى التقهقر المحاصيل الزراعية وتراجع انتاجيتها لاسيما القمح.
في حين تعطلت مشاريع الضخ لسدي قسطون وزيزون بسبب التخريب خلال السنوات الماضية حيث كان المشروع يؤمن ضخ المياه لسد قسطون (28مليون متر مكعب) وسد زيزون (70 مليون متر مربع) المتوقف عن العمل منذ انفجاره في العام 2002.
وزارة الزراعة في دمشق قالت في تقريرها الصادر عام 2018: " أن آثار التغيرات المناخية وبالتوازي مع آثار الحرب على قطاع الزراعة، أدى إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية (مروية-بعلية) من الخدمة بسبب تضرر الآلات والمعدات الزراعية ونقص القطع التبديلية".
ووضحت في التقرير": إضافة إلى التخريب الذي تعرضت له الآبار و شبكات الري والقنوات المائية التي أدت إلى قلة المحاصيل الزراعية ورداءة نوعيتها، والذي رافقه انخفاض غير مسبوق في أعداد الأغنام و الأبقار والجمال، كما تعرضت ً على العديد من الغابات الطبيعية والمواقع الحراجية للاعتداء تمثل في الحرق والقطع الأمر الذي انعكس سلبا مساحة الغابات و مكونات التنوع الحيوي فيها".
وخلال الموسم الفائت للقمح أعلنت "وزارة الزراعة" المنضوية ضمن "حكومة الإنقاذ" عن قرض حسن لدعم زراعة القمح بسعر 520 دولار أمريكي، في شهر تشرين الأول / أكتوبر 2022 على أن يتم سداده في الأول من شهر تموز / يوليو 2023 .
ومع حصاد المزارعين لموسم القمح حددت ذات الحكومة سعر شراء طن القمح الواحد بـ 320دولار أمريكي، ليبقى فارق سعر القرض الحسن حوالي 200 دولار أمريكي لصالح حكومة الإنقاذ.
وأكد تقرير "لجنة الإنقاذ الدولية" أن الحرب في سوريا أدت على مدى عقد من الزمان إلى تآكل قدرة البلاد على الاستجابة للأزمات" وحسب التقرير فإن سوريا واحدة من أكثر الدول المهددة بالتغير المناخي نتيجة غياب الجاهزية لمواجهة آثار التغير المناخي".

الجفاف يستقطب الحشرات
لم يتسبب شح الأمطار فقط بضياع المحاصيل، فالمحصول الذي شق طريقه للإنبات بشق الأنفس، كان في مرمى الحشرات وعلى رأسها حشرة "حفار أوراق النجيليات" وفأر القوارض.
وقد اصابت هذه الحشرة محاصيل القمح والشعير بمناطق "سهل الغاب" غرب "حماة"، و"سهل الروج" غرب "إدلب" و"بنش" شمالها، و"الأتارب" غربي "حلب".
ويرجع المهندس الزراعي محمود العبد القادر أحد أسباب ارتفاع نشاط حشرة "حفار أوراق النجيليات" على أوراق نباتات القمح والشعير خلال الأعوام الـ 4 الأخيرة، إلى إهمال حكومة الانقاذ التابعة لـ هيئة تحرير الشام" بدعم المزارعين بالأدوية المناسبة إضافة إلى الجفاف.
الحشرة انتشرت على مساحة أكثر من 60 ألف دونم أرض زراعية.
تعمل الحشرة على التغذية على أوراق نباتات القمح والشعير، و تحفر اليرقة أنفاقا بين بشرتي الورقة لتتركز الإصابة في النصف العلوي منها، مما يكسبها لوناً بنيا بدايةً، ومن ثم يتحول إلى أصفر شاحب لتصل النبتة مرهقة إلى مرحلة الحصاد وفقيرة من الحبوب.
لم يتلقى المزارعين أي نوع من الدعم الزراعي خاصة فيما يتعلق مكافحة الحشرات كحشرة حفار أوراق النجيليات بحسب المزارع " كريم الدقس" المالك لـ 39 دونم مزروعة بالقمح في منطقة جسر الشغور
وكغيره من المزارعين كان حقل كريم مصاب بالحشرة اضطر للاستدانة من الصيدلية الزراعية 4 عبوات لنتراك بسعر وصل لـ 30دولار أمريكي في حين عجز عشرات المزارعين عن مكافحة الحشرة بسبب فقرهم المدقع واتساع المساحة المصابة.
مسألة المناخ والاستمطار تهديد كبير يواجه المزارعين في سوريا وسط هذه الفوضى في الحوكمة الزراعية، وسيدفع المواطن في النهاية الثمن مع غياب أي خطط لمواجهة خطر التصحر والتغير المناخي الذي يضرب العالم.