تغير المناخ يشرد النساء ويضاعف معاناتهن


زاهر هاشم

تؤثر التغيرات المناخية على البشر من خلال تهديد النظم الزراعية، ونقص الغذاء، وندرة المياه، وما تسببه السيول والفيضانات وحرائق الغابات وموجات الجفاف من فقدان لموارد العيش، كما يهدد تغير المناخ الحقوق الأساسية للإنسان مثل الحق في الحياة والحصول على الرعاية الصحية والغذاء والسكن اللائق والتعليم، وتزداد هذه التهديدات سوءاً مع الفئات الأكثر ضعفاً كالنساء و الأطفال في المجتمعات النامية والدول الفقيرة التي تعاني أساساً من  التمييز وعدم المساواة.

ويشكل عدم المساواة بين الجنسين المقترن بأزمة المناخ، أحد أهم التهديدات التي تتعرض لها النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن آثار التغيرات المناخية تطال الجميع،  وتؤثر بشكل مباشر، وبشدة على مجموعة واسعة من الحقوق، بما في ذلك حق الحصول على الغذاء والمياه والتعليم والسكن والصحة والتنمية، إلا أن الأوضاع الهشة التي تعيشها النساء والفتيات في الدول الفيرة والنامية بشكل خاص، ونقص أو غياب الموارد المالية وفرص العمل والتعليم، يجعلهنّ تحت وطأة الآثار البيئية والاقتصادية والاجتماعية أكثر من بقية أفراد المجتمع، ويهدد حقهن الإنساني في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة.

80 في المئة من المشرّدين بسبب تغير المناخ هن من النساء
تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة

وبحسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة فإن 80 في المئة من المشرّدين بسبب تغير المناخ هن من النساء، وهذا ما يجعلهنّ أكثر عرضة للتمييز والعنف، بما في ذلك العنف الجنسي، خصوصاً في مراكز الإيواء والخيام حيث تنام النساء أو يغتسلن أو يستحممن أو يرتدين الملابس في ظروف غير ملائمة، كما أن آثار الكوارث البيئية، والصراعات الناتجة عنها، غالباً ما تجعل النساء والفتيات كمهاجرات أو لاجئات عرضة للزواج القسري والمبكر وزواج الأطفال والإتجار بالبشر.

وتعتبر الزراعة من أهم قطاعات توظيف المرأة في البلدان منخفضة الدخل، وخلال فترات الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار، تعمل النساء بشكل أكبر لتأمين الدخل والموارد لأسرهن، وتعويض الفاقد من النقص الناتج عن تراجع المحاصيل الزراعية، وغالباً ما تضطر الفتيات إلى ترك المدرسة لمساعدة أمهاتهن على تحمل هذا العبء المتزايد.

أحياناً تجبر الفتيات على الزواج في عمر مبكر بسبب الفقر ونقص الغذاء وفقدان الأراضي الزراعية
الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN

ويوثق تقرير بعنوان «العنف القائم على النوع وارتباطه بالبيئة» الصادر عن الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN الكثير من الحالات التي أجبرت فيها الفتيات على الزواج في عمر مبكر بسبب الفقر نقص الغذاء وفقدان الأراضي الزراعية، مقابل الحصول على المال أو المواشي، ويعتبر التقرير أكبر وأشمل دراسة حتى الآن حول آثار تغير المناخ والتدهور البيئي على العنف القائم على النوع الاجتماعي.

تتأثر النساء أكثر أيضاً بأزمات الكوكب البيئية الأخرى، على سبيل المثال يشكل تلوث الهواء عامل خطر كبير للإصابة بسرطان الثدي، كما يمكن أن تؤدي المستويات العالية من التعرض للملوثات والدخان والمواد السامة الملوثة للهواء إلى عدم انتظام الدورة الشهرية للمرأة، مما قد يكون له آثار طويلة الأجل على الصحة الإنجابية.

وبالنسبة للنساء الحوامل، فإن المخاطر أعلى، وقد تؤدي نوعية الهواء الرديئة إلى الولادة المبكرة، وانخفاض وزن المواليد عند الولادة، وزيادة المخاطر الصحية على الأمهات.

ويزيد التفاوت بين الجنسين في قابلية الحصول على المعلومات والتنقل وصنع القرار والوصول إلى الموارد والتدريب، من المخاطر على النساء عند وقوع الكوارث البيئية، ويقلل من قدرتهن على الحصول على المساعدة والإغاثة، ويجعلهن أكثر عرضة للكوارث في المستقبل.

تتعرض صحة النساء والفتيات للخطر بسبب تغير المناخ والكوارث من خلال تقييد الوصول إلى الخدمات والرعاية الصحية، فضلاً عن زيادة المخاطر المتعلقة بصحة الأم والطفل، تشير الأبحاث إلى أن الحرارة الشديدة تزيد من حدوث حالات الإملاص، كما إن تغير المناخ يزيد من انتشار الأمراض المنقولة مثل الملاريا وحمى الضنك وفيروس زيكا، والتي ترتبط بنتائج أسوأ للأمهات والأطفال حديثي الولادة.

النساء أقل ضرراً على البيئة

تتجلى أوجه عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي في أن النساء والفتيات اللواتي يتحملن العبء الأكبر من أزمات الكوكب البيئية، هن الأقل تأثيراً في هذه الأزمات.

ويرى تقرير «التخفيف من تغير المناخ» الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في نيسان/أبريل 2022، أن الرجال يحملون بصمة كربونية أكبر من النساء، وتقيس البصمة الكربونية مقدار انبعاثات غازات الدفيئة التي يصدرها الفرد أو المؤسسة خلال أي نشاط يقوم به، أو التي تنتج عن الخدمات والمنتجات خلال دورة تصنيعها وإنتاجها.

وبحسب التقرير تشكل الخصائص الديموغرافية مثل العمر والجنس والتعليم مجموعة مهمة من المحددات التي تؤثر على الانبعاثات، حيث يميل الرجال إلى استهلاك المزيد من الطعام (خاصة اللحوم) مقارنة بالنساء، مما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات المرتبطة بالغذاء، كما ينفق الرجال المزيد من المال على المركبات والقيادة، حيث يزيد استخدام الرجال للطاقة في السويد على سبيل المثال 22٪ قياساً للنساء.

تميل النساء أيضاً إلى اتخاذ إجراءات أكثر صداقة للبيئة من الرجال، ويبدو ذلك واضحاً في الحياة الأسرية حيث تميل النساء أكثر إلى الحفاظ على موارد المنزل، وتقليل النفايات، من خلال إعادة استخدام الأدوات والمنتجات، والحفاظ على الطعام، وتقليل الهدر.

يقول الباحثون أن هذه الفروق بين الجنسين في الانبعاثات يجب أن تؤخذ في الاعتبار في سياسات العمل المناخي. 

المرأة شريك أساسي في سياسات المناخ

على الرغم من ضعف مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات التي ترسم سياسات العمل المناخي عالمياً، حيث لا يزال الرجال يسيطرون على ذلك، فإن هناك جهوداً تبذل لمزيد من المشاركة الفاعلة للمرأة في إدارة المناخ، ففي عام 2014، تبنى مؤتمر "كوب 20" برنامج عمل ليما حول النوع الاجتماعي لتشجيع إشراك المزيد من النساء في المفاوضات المُتعلقة بتغير المناخ. كما تضمنت مقررات مؤتمر "كوب 26" في غلاسكو المساواة بين الجنسين وقيادة المرأة باعتبارهما عنصرين رئيسيين في سياسات المناخ واستراتيجيات العمل. 

يتطلب تحقيق الحياد الكربوني ومواجهة آثار تغير المناخ على البيئة والتنمية الاجتماعية، تفعيل دور النساء في عملية وضع السياسات المناخية، كونهن أكثر المتضررات، وذلك لضمان فعالية القرارات المتعلقة بالمناخ، كما أن تعزيز حقوق المرأة وتعليمها والقضاء على أوجه التمييز وعدم المساواة، من شأنه تعزيز قدرة المرأة على مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وبدون هذه المشاركة فإن الوصول إلى أهداف التنمية والحياد المناخي التي يسعى العالم إليها، ستبقى بعيدة المنال.