مازوت التدفئة بـ "القطارة" والسوريون يبحثون عن بدائل تناسب الدخل
حبيب شحادة
فرضت الأوضاع الاقتصادية المتردية وانخفاض الدخل مقارنةً بارتفاع أسعار المحروقات واقعاً صعباً على سكان مناطق سيطرة حكومة دمشق مع بداية قدوم فصل الشتاء. الكثير من السكان بانتظار "رسائل المازوت" المدعوم نتيجة عجزهم عن شراء المادة من السوق السوداء.
وبذريعة نقص توريدات المشتقات النفطية، توزع وزارة النفط السورية "المازوت المدعوم" بـ "القطارة" وبكميات 50 لتر لكل عائلة. الكثير من العائلات لم تستلم مخصصاتها منذ العام الفائت وحتى اليوم، ما دفع سوريون للبحث عن بدائل أخرى للتدفئة منها الحطب والغاز وبذور الزيتون وغيرها.
في المقابل، مع بداية الشتاء، تزداد ظاهرة بيع المحروقات على الطرقات وفي أماكن محددة ومعروفة منذ بداية الحرب كمنطقة السومرية التي تحولت إلى "مركز توزيع" للمشتقات النفطية، تتوفر فيه كميات كبيرة في ظل عجز حكومة دمشق عن توفير مازوت التدفئة الذي بلغت نسبته توزيعه في دمشق أقل من 18%، وفي ريفها 31%، وفقاً لتصريحات مسؤولين حكوميين.
ومع الغلاء الفاحش لأسعار المحروقات ومواد التدفئة في السوق السوداء (سعر لتر المازوت 16 ألف ليرة) وبطء توزيع مازوت التدفئة وسط تقنين كهربائي شديد خلال الشتاء، يبحث سكان دمشق وريفها عن وسائل للتدفئة. فما خيارات السكان؟ وكيف يتوفر المازوت في السوق السوداء ويختفي لدى الحكومة؟
بدائل مازوت التدفئة
خصصت وزارة النفط الأسر السورية بـ 100 لتر "مازوت مدعوم" على دفعتين، الأولى 50 لتر في بداية الشتاء والثانية بنهايته بسعر 2000 ليرة للتر، لكن عملية التوزيع تسير ببطء وتتسم بعدم العدالة في التوزيع، وفقاً لسكان في دمشق.
"الكميات التي توزعها شركة محروقات الحكومية رغم قلتها غير كافية للتدفئة طوال فترة الشتاء"، يقول عصام مبيض، وهو من سكان دمشق ينتظر رسالة تعبئة "المازوت المدعوم" التي لم تصله منذ العام الفائت. ويضيف في حديثٍ لـ "روزنة" أنَّ الـ 50 لتر المخصصة لكل عائلة لا تكفي لعشرة أيام خلال الشتاء في حال حصلوا عليها.
ويوضح الرجل الخمسيني، أنَّ خيارات التدفئة الأخرى كالحطب والغاز متوفرة لكن سعرها مرتفع وخارج قدرته الشرائية، مستدركاً كذلك، بـ "أنَّ المازوت متوفر أيضاً في السوق السوداء لكن بأسعار خيالية"، ويضيف أنه هذا العام اشترى مدفأة حطب بدلاً عن المازوت، "اشتريت طن حطب بمليون ونصف المليون منذ شهرين كوسيلة تدفئة مع الكهرباء في حال توفرت"، كما قال.
حال مبيض مثل أحوال كثيرين تخلوا عن المازوت كوسيلة للتدفئة، لارتفاع سعره وفشل حكومة دمشق في تأمينه بسعر مدعوم، وعليه، اتجه سوريون كثر لاستبدال المازوت بالحطب أو بذور الزيتون.
يقول سامر رحال، 43 عاماً، لـ "روزنة" "يتوفر الحطب بريف دمشق بأسعار أرخص من العاصمة بمليون ليرة"، ويعزو ذلك لمصدره، قائلاً: :هناك عسكر بريف دمشق خصوصاً منطقة جبل الشيخ يعملون في بيع الحطب للناس من نوع شجر السنديان وبيعه بسعر أرخص لتصريفه".
ويوضح رحال الذي يسكن في إحدى قرى جبل الشيخ، أنَّ هؤلاء العسكر يبيعون طن حطب السنديان بمليون ونصف المليون ليرة، ينما يتراوح سعر طن الحطب في السوق بين (2.5 -2.700) مليون ليرة. مشيراً إلى تعرَّض مساحات كبيرة من الغابات لقطع أشجارها بقصد التجارة بحطب التدفئة.
وهذا العام قرر رحال تدفئة منزل عائلته بالحطب، إذ اشترى 2 طن حطب بـ 3 مليون ليرة، دفع جزء من التكلفة من بيع مخصصاته من المازوت المدعوم بـ 16 ألف ليرة للتر، بعد حصوله على 50 لتر مدعوم بسعر 2000 ليرة.
بينما اعتمدت زهرة محمد، وهي أم لأربعة أطفال تسكن في حي باب سريجة الدمشقي على بذور الزيتون للتدفئة إلى جانب الكهرباء في حال توفرت. وتقول لـ "روزنة" "أنتظر رسالة المازوت المدعوم 50 لتر علها تصل وأحصل على الكمية لتدفئة أولادي".
ويصل سعر طن بذور الزيتون (وهو عبارة عن بقايا حب الزيتون بعد عصره) والتي تسمى أيضاً "تفل الزيتون" أو "البيرين"، إلى مليون ونصف المليون وربما أكثر حسب نوعه وطريقة تجفيفه وكبسه، وفقاً لـ خالد الرخم، وهو صاحب معصرة زيتون في جديدة عرطوز بريف دمشق. ويقول لـ "روزنة" "أغلب الناس تشتري تفل الزيتون للتدفئة بالكيلو وليس بالطن"، مشيراً إلى أنَّ سعر الكيلو الواحد منه يتراوح بين 1500 و2000 ليرة.
وإلى جانب الحطب وتفل الزيتون، هناك عائلات لا تملك إلا خيار "البطانيات" للتدفئة، كما هو الحال مع عائلة هند التي تسكن في جديدة عرطوز بريف دمشق. وتقول لـ "روزنة" "زوجي موظف وراتبه بالكاد يكفي ثمن الأكل والشرب بالحد الأدنى"، وتضيف، ننتظر تعبئة 50 لتر مازوت مدعوم نتدفأ بها في حال حصلنا عليها وإلا فـ "البطانيات" هي الحل الوحيد.
يبقى السؤال.. أين المازوت؟
في حديث لـ "روزنة"، يقول صاحب محل مواد غذائية في السومرية، "إنَّ المازوت متوفر لديه وبكميات كبيرة جداً وكذلك البنزين"، ويتابع: نحصل على المازوت من مصادر عدة أهمها مازوت الجيش الذي يباع من قبل العسكر وهو إما يكون من مخصصاتهم الشهرية أو من مخصصات الآليات العسكرية.
ويوضح صاحب المحل الذي رفض كشف اسمه لأسباب أمنية، أنَّه يشتري المازوت أيضاً من سائقي سرافيس النقل العام الذين يبيعون مخصصاتهم في السوق السوداء بدلاً من العمل في النقل. ويضيف، أنَّه يشتري المازوت من مصادره بسعر أقل من السوق السوداء بألف ليرة وأحياناً بألف وخمسمائة حسب توفر المادة والطلب عليها.
من جهته، يقول علي، وهو صاحب محل آخر، "إنَّ السومرية تحولت إلى "مركز توزيع محروقات" بسبب وجود محال ضمنها تشتغل بالتهريب وتحصل على المحروقات من مصادر عدة، مشيراً إلى أنَّ موقعها الجغرافي حولها إلى مركز استقطاب للمحروقات.
وأوضح أنَّ الحصول على المحروقات يكون من محطات وقود معينة ومعروف أنها تتلاعب بعداد التعبئة، قائلاً: "هناك محطات تتلاعب بكميات البنزين والمازوت المعبئة لكل سيارة سواء خاصة أو عامة بمقدار لتر أو لترين أو أكثر ومن ثم تبيع تلك الكميات الناتجة عن هذا التلاعب إلى أصحاب محال السومرية لتصريفها في السوق السوداء.
وهذا ما أكده أحد العاملين في محطة وقود بمنطقة المزة، ويقول: "هناك محطات وقود تتلاعب بعداد التعبئة وتسرق حصص الناس"، مشيراً إلى أنَّ محطة وقود السومرية هي واحدة منهم. ويضيف، أنَّ موزعي مازوت التدفئة يتلاعبون بعداد التعبئة ويسرقون لتر أو لترين من مخصصات الناس، ومن ثم يبعون الوفر بالسوق السوداء.
من جهته، أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات والتجارة الداخلية في ريف دمشق عمران سلاخو، وجود تلاعب بالكيل أثناء تعبئة مخصصات السكان من مازوت التدفئة. وقال في تصريح صحفي، "إنَّ بعض الموزعين يعبئون للمواطنين أقل من الكمية المخصصة لهم".
كذلك، يشكل الفيول الذي يسرق من محطات التوليد في بانياس، والذي كشفته صحيفة محلية مؤخراً مصدراً مهماً لبيع المحروقات في السوق السوداء، إذ تبين وجود سرقة لما يقارب الـ 70 صهريج من الفيول في طرطوس. فضلاً عن السرقات الكبيرة التي تحدث في محطات الوقود في أغلب المدن وبكميات كبيرة لكنها تنتهي بتنظيم ضبط بها فقط.
محروقات بلا دعم
أمام أزمة المحروقات المتفاقمة حررت حكومة النظام في شهر آب/أغسطس الفائت، أسعار المشتقات النفطية وفقاً للسعر العالمي وأبقت قسم منها ضمن ما يسمى "الدعم"، على أن تصدر وزارة التجارة الداخلية قوائم أسعار متغيرة للمحروقات بشكل دائم وفقاً لسعر المادة عالمياً.
ويرى اقتصاديون أنَّ رفع سعر المحروقات حكومياً أدى إلى ارتفاع سعر بيعها في السوق السوداء جراء فشل حكومة النظام في توفير المحروقات عبر نظام الرسائل للسيارات الخاصة والعامة وفي توفير مازوت التدفئة. عدا عن رفع سعر أغلب السلع الغذائية والاستهلاكية.
ووصل سعر لتر البنزين في السوق السوداء إلى 20 ألف ليرة، والمازوت إلى 16 ألف ليرة، بينما يباع المدعوم من البنزين والمازوت بأسعار حددتها وزارة التجارة الداخلية مؤخراً بـ 11780 ألف ليرة للمازوت الحر، والبنزين 12750 ليرة وفقاً لسعر التكلفة.
وتعاني مناطق سيطرة النظام من أزمات اقتصادية ومعيشية جراء الرفع المتسلسل لأسعار المحروقات، وذلك رغم الوعود الحكومية المتكررة بانفراج أزمة المحروقات المستمرة بوتيرة متقطعة منذ عام 2019.