
"جسر.. جسر".. قلوب سوريين في فرنسا
تستجيب لمنكوبي الزلزال
محمد الحاج
"جسر.. جسر.. جسر".. في صالة مليئة بالشبان والشابات، توافدوا خلال ساعات قليلة إلى أطراف العاصمة الفرنسية باريس، تتكرر هذه الجملة عند تشكيل سلسلة بشرية لتفريغ أو نقل حمولة مواد عينية من يد لأخرى، بعد وصولها من الداعمين لمساعدة المتضررين من الزلزال في سوريا.
ما إن ضرب الزلزال سوريا وتركيا، حتى بدأ فريق تطوعي من السوريين والسوريات بالتفكير في طريقة الاستجابة العاجلة وفق الإمكانات المتاحة، لمساعدة المنكوبين في مناطق شمالي غربي سوريا على وجه التحديد، في ظل غياب الدعم الأممي لهم وعدم دخول مساعدات إنسانية في أيام الكارثة الأولى.
خلايا نحل.. ورسائل حب للمنكوبين
يقول الناشط السوري طه محمد أن مبادرة الشباب التطوعية تحت عنوان "استجابة سوريا"، لاقت تفاعلاً كبيراً في الأيام الثلاث الأولى، حيث تطوع 20 شخصاً بشكل مباشر وبدأت الأعداد بازدياد إلى أن وصلت في يوم الأحد إلى نحو خمسين، يصفهم بـ"خلايا نحل حقيقية عم تشتغل بكل شي بتقدر تعمله".
رصدنا عمل المتطوعين في اليومين الثاني والثالث، ويبدو أن التعبير الذي اختاره طه معبراً عن الحالة، خلايا من الشباب تحمل وتفرغ وتفرز وتصنف وفق النوع وتعيد التعبئة إلى السيارات المتجهة للمستودع.
أدوار مختلفة والكل ينتظر طلب أحدهم للمساعدة: "شباب وصبايا بدنا شخصين لو سمحتوا على قاعة فرز الألبسة"، ترفع على الفور أيادي كثيرة، يكابر المتطوعون رغم التعب، ويبدون حماساً وتعاطفاً وتضامناً وشعوراً بأهمية كل قطعة صابون أوعلبة زيت أو كيلو رز، يرسلونه لأهلهم هناك.

مصدر الصورة - صفحة حملة Paris Response
مصدر الصورة - صفحة حملة Paris Response
في اليوم الثاني من العمل، بادرت شابة سورية بتقديم اقتراح نال موافقة الحضور على الفور، إذ وقفت وقالت بعد مرور ساعات: "شو رأيكن نكتب رسائل بكل كرتونة قبل التغليف. نقول ونخبرن أديش نحن معهن. وبنحبهن"، وبدأ الجميع يكتب والدموع في عيون الغالبية والحماس يغلب الإرهاق.


مصدر الصورة - صفحة حملة Paris Response
مصدر الصورة - صفحة حملة Paris Response
لسنا وحدنا.. الجميع يدعم
يؤكد المتطوعون أنهم مجموعة من الشباب السوريين المستقلين يساعدهم متطوعون عرب وفرنسيين وأجانب، قرروا البدء بالحملة، فيما ساهمت منظمة "المائدة السورية" بتسخير عدد من صالات مقرها لعمليات التعبئة والفرز، إضافة للمساعدة بخدمات لوجستية عند الحاجة.
"حرفياً بكل المدن الفرنسية الكبيرة والصغيرة، في سوريين عم يراسلونا ليبعتوا مساعدات. الحملة عم تكبر"، يكتب طه محمد عن التفاعل الذي تخطى حدود باريس وضواحيها إلى كامل الأراضي الفرنسية، مضيفاً: "جمعيات فرنسية وغيرها كانوا ناطرين متل هالمبادرة لأن عندن مواد كتير. وتجار تبرعوا بكميات كبيرة".
انقسم المتطوعون إلى مجموعات لفرز المواد التي تصل على شكل شحنات متفرقة من مناطق مختلفة، إحداها جاء بها شابان سوريان من مدينة بوردو، قطعا مئات الكيلومترات لتسليم ما جمع من السوريين والمتبرعين هناك، ليعودوا فوراً عند تفريغ الحملة: "هاد واجبنا.. وأقل شي ممكن نساويه لأهلنا".

مساعدات مقدمة من سوريين في فرنسا - تصوير: نعمة العلواني
مساعدات مقدمة من سوريين في فرنسا - تصوير: نعمة العلواني
يبدو أن كمية المساعدات المقرر أو المتوقع وصولها، تفرض على المتطوعين تحديات جديدة من ناحية تأمين المستودعات وأماكن التخزين والترتيب مع جمعيات مرخصة لإدخالها إلى شمالي سوريا مروراً بالأراضي التركية، إضافة لتواجد متطوعين بشكل يومي، عبر التناوب، ومن بينهم الكثير من الطلبة والعمال والموظفين.
تتحدث شابتان خلال استراحة قصيرة، كيف قررتا التطوع لساعات طويلة (تجاوز لدى البعض 12 ساعة) رغم وجود امتحانات والتزامات جامعية: "لم أستطع الوقوف مكتوفة الأيدي. مشاهدة الأخبار والصور وحجم الكارثة على شاشة الهاتف في غرفتي الصغيرة، أمر مرهق. نمضي الوقت لمساعدة الآخرين وأنفسنا أيضاً".

عرب وأجانب يساعدون.. من القلوب للقلوب
حسن صيدلاني من لبنان، عمل لساعات طويلة مع شابتين تدرسان الصيدلة والتمريض في مساعدة المتطوعين على فرز الأدوية والمستلزمات الطبية الواصلة من المتبرعين، قبل أن تأتي طبيبة سورية وتكمل المهمة مع متطوعين آخرين.
متطوعون ومتبرعون فرنسيون وعرب ومن جنسيات مختلفة كانوا حاضرين أيضاً على مدار الساعة خلال عمليات الفرز والتجميع والتغليف.
من بين هؤلاء الطفل المغاربي شكيب، يضع بيديه كل قطعة حملها معه إلى الكراتين الخاصة بها، بعد أن أفرغ الكيس، يشكر المتطوعين على عملهم، ويتمنى مع والديه السلامة للمنكوبين ويدعون بالرحمة لمن فقد حياته بالزلزال.
تشير الأرقام القابلة للارتفاع بشكل كبير إلى وجود نحو عشرة آلاف ضحية بين وفاة وإصابة في مختلف المناطق السورية، وعشرات الآلاف في تركيا نتيجة الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 شباط الماضي، وتستمر حملات المساعدة الشعبية بالوصول من مختلف المناطق السورية ودول الاغتراب واللجوء.
بدأ المتطوعون أمس بالعملية النهائية لتغليف الشحنة الأولى المقرر إرسالها في الأيام القليلة القادمة إلى شمالي سوريا، وتتكون من عشرات الكراتين المحملة بمستلزمات الأطفال والنساء والغذائيات والأدوية والأغطية وغيرها.
في ختام حديثنا مع متطوعين ومتطوعات بـ"استجابة باريس"، أكدوا أنها تجربة استثنائية فيها حمولة عاطفية كبيرة بالنسبة لهم، سيتذكرون جيداً هذه الأيام في المستقبل، ويتشاركون عبارة خلال الشرح: "هذا أقل ما نستطيع فعله في غربتنا هنا. فعلنا الواجب فقط أمام الكارثة التي لحقت بالسوريين. هذه استجابة قلوب محبة لأهلنا هناك".
تنشر الحملة اسبوعيا احتياجاتها للراغبين بالتبرع على رابط صفحتها عبر الفيسبوك.