مياه الشرب.. هدف مالي لـ " الانقاذ" على حساب أبناء قرية الفريكة

سامر المحمود

في قرية الفريكة تحولت المياه إلى مصدر تمويل للفصائل المتشددة، بعد تفجيرحزان المياه وفرض الحصار على الآبار المائية.

90 ليرة تركية تكلفة شراء مياه نظيفة يدفعها علي الدحدوح من الآبار في قرية "فريكة" التابعة لجسر الشغور شمال غرب سوريا ليستخدمها في حياته اليومية وسقاية المواشي، كل 3 أيام.

علي ليس هو الوحيد الذي يدفع ثمن شراء المياه النظيفة في القرية، هناك أكثر من 250 عائلة تعاني ذات الأمر، فالبئر يحتاج في كل ساعة ضخ مياه إلى 4 لتر من الديزل.

ولكن، حتى هذه الخدمة باتت غير ميسرة للأهالي بعد قرار ما يسمى حكومة " الانقاذ" التابعة لهيئة تحرير الشام.

يشتري أهالي القرية المياه من أصحاب الآبار منذ أن توقفت شبكة مياه الشرب بالقرية في عام 2015، إبان انسحاب قوات النظام والفصائل المقاتلة الداعمة لها من المنطقة تحت ضربات فصائل المعارضة.

وعلى بُعد عشرات الأمتار من موقع خزان مياه شرب قرية فريكة الواقعة جنوب أوتستراد الـM4، تقع محطة كهرباء زيزون التي فككها "الحزب التركستاني" وعمل على بيعها لتجار الخردة والحديد والاسلاك الكهربائية.

بعد الانسحاب أصبحت القرية تحت سلطة "هيئة تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني" الذي عمل على الاستيلاء على البنى التحتية وتفكيكها .

وتشكلت"هيئة تحرير الشام" في عام 2017 بالاندماج ما بين "جبهة النصرة" بقيادة أبو محمد الجولاني وفصائل عسكرية أخرى، وهي جماعة سلفية جهادية، تسيطر على مساحات كبيرة من الأراضي في شمال غرب سوريا ومنها مدينة ادلب وريفها.

من هو الحزب الاسلامي التركستاني؟

تشير معظم المصادر التي كُتبت عن الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا (الإيغور)، أنّ الظهور الفعلي لمقاتلي الحزب بدأ في سوريا في العام 2012، حيث تجمّعوا بداية في تركيا، ودخلوا إلى سوريا عابرين الحدود التركية السورية.

تتمركز قواتهم في منطقة جسر الشغور في ريف ادلب، ساعد عضو في "جبهة النصرة" يدعى أبو رباح المسلحين الأويغور في بدء معسكرهم الأول في سوريا بعد لقائه مع أبو حمزة التركستاني في معسكر الشيخ سلمان بريف حلب الغربي عام 2012 والبداية من كتيبة "أسود السنة" التي تزعّمها عمرو العبسي "أبو الأثير"، فيما تتواجد قياداته المنظمة في باكستان وأفغانستان.

استفاد الفصيل المتطرف من الصراع الأمريكي الصيني، حيث قامت الولايات المتحدة بعد عقدين بازالته من قوائم الارهاب التي تصدرها في عام 2020.

لم تكن هذه العملية هي الأولى للحزب التي استباحت المرافق العامة لمصحلة خزينتها المالية. وقد فرضت أتاوات مالية على صيادي الأسماك في قرية “القرقور” بسهل الغاب غربي حماة في عام 2018، أعقبها الحزب في العام 2021 بنهب مشروع ضخ مياه الري من نهر العاصي إلى سدي قسطون وزيزون غربي حماة.

فالخزان يحتوي على 14 طن حديد مسلح في القواعد والأعمدة وجدران الخزان هو مصدر مالي مهم لهم. حيث يعمل المتعاملون مع الحزب التركستاني في القرى والبلدات الواقعة جنوب أوتوستراد الـ M4على سحب الحديد بعد هدمها.ومنذ نهاية العام 2016 حتى مطلع العام 2018، فَكك الحزب التركستاني محطة كهرباء زيزون بشكل كامل لتصبح أثر بعد عين، ومفرغة من جميع محتوياتها بعد أن كانت تقدم الكهرباء لعموم محافظة "إدلب" وريف "حماة" الغربي، وبلدات من ريف "اللاذقية" الشمالي، بما فيها من آبار مياه شرب، ومخابز، وبنى تحتية متعددة.

وعلى امتداد أكثر من 8كم في منطقة سهل الغاب، فممت ذات المجموعة السلفية المسلحة كان خط الغاز المغذي لمحطة كهرباء زيزون هدف للسرقة، بعد نبش الأنابيب الناقلة للغاز بواسطة جرافات على بعد بضع كيلومترات من تموضع حواجز قوات النظام و، وعلى مرأى من معسكراتها.

ولم يكتف الحزب بالسيطرة العسكرية، وإنما عمل على تفجير خزان المياه في القرية، والذي كان مسؤولاً عن ضخ المياه إلى لحوالي 400 منزل بعد تعبئته بشكل كامل، حسب المهندس نوري الحسن.

كيف هدم الخزان؟

استخدمت في العملية جرافات ضخمة وجهت ضربات متتالية نحو الأعمدة الحاملة للخزان، وبعدها ربطت أحد الأعمدة بأكبال فولاذية وسحبه، ليسقط الخزان على الأرض في مساء يوم الثالث من شهر آب\أغسطس 2023، واستمرت عملية استخراج الحديد لـ 5 أيام.

يدير العمليات الاقتصادية المدعو زيد التركستاني، ويُشرف على عمليات الحزب المالية والسيطرة على البنى التحتية وأراضي وقرى المسيحيين وغيرهم، مثل اشتبرق والغسانية والبرج وحلوز والقاطنين في مناطق سيطرة النظام المنحدرين من عموم منطقة جسر الشغور.

ويعرف عنه تعامله مع مجموعة سماسرة سوريين على تنفيذ الخدمات للقسم الاقتصادي بالحزب التركستاني مقابل أجور ونسب مئوية، بعد تأمين التجار لشراء المعادن والتجهيزات بحسب الناشط "محمود الادلبي" لروزنة.

50 ألف دولار كلفة الخزان الجديد

تكلفة بناء خزان مماثل للخزان المهدم يحتاج إلى ما يقارب اليوم مبلغ 50ألف دولار أمريكي، حسب المهندس الميداني والعامل سابقاً بشركة مياه حماة التابعة لحكومة دمشق "نسيم الجاسم".

وقدر المهندس المختص القيمة التقديرية بناء على ما كان يحتويه من الحديد المسلح والإسمنت المستخدم حينها ذي النوعية الممتازة، إضافة إلى كلفة الدراسة والتقنية المحكمة للخزان، وسعته التخزينية التي كانت تصل لحوالي500 ألف لتر مياه تكفي لأكثر من 500 منزل بالتعبئة الواحدة.

قبل انجاز عمليات الهدم، سرقت مجموعة مسلحة من داخل البئر الجوفي المغذي للخزان محرك من نوع ميرسيدس لتشغيل مضخات المياه عند انقطاع الكهرباء، إضافة لتجهيزاته بالكامل في العام 2016.

يقدر المهندس الجاسم ثمن المحرك ومولد الكهرباء بحوالي 9 آلاف دولار أمريكي، حيث قامت الجماعة المسلحة بتطويق مكان البئر وفككت المحرك ومولد الكهرباء، عن طريق سيارة رافعة والذهاب بهم باتجاه الشمال.

"الانقاذ" تحاصر الآبار

لم تكتف "هيئة تحرير الشام" بقطع المياه، بل حاصرت حتى الآبار المحلية التي بات المواطنون يعتمدون عليها لجلب المياه.

يدفع "سليم الضامن" القاطن في بلدة "محمبل" المتموضعة على سفح "جبل الزاوية" والقريبة من بلدة فريكة، ثمن صهريج الماء 200 ليرة تركي كل 6 أيام، بسبب افتقار البلدة لمياه الشرب المتوقفة منذ العام 2015، والفقيرة أيضا بالآبار والمياه السطحية، مما يزيد من فقر ومرارة العيش لأهالي البلدة المحرومين من وصول مياه الشرب لمنازلهم.

يقول "منار العلي" المنحدر من قرية "مرج الزهور" التابعة لبلدية "فريكة"، وهو صاحب بئر جوفي بالمنطقة، لم أعد ـأجرؤ على تزويد جيراني بمياه الشرب من البئر بعد صدور قرار الإنقاذ بمنع تزويد الجوار بالمياه تحت طائلة المسؤولية مما منعنا حتى من فعل الخير.

"وزارة الإدارة المحلية" في "حكومة الإنقاذ" وهي تابعة لهيئة تحرير الشام أصدرت تعميماً في الثامن من شهر تموز\يوليو من العام الجاري، خذرت فيه أصحاب الآبار السطحية والجوفية في بلدة أطمة الحدودية من تزويد الجوار بالمياه، وحصر ذلك بوحدة المياه التابعة لها حصراً، مما أثار مخاوف بباقي المناطق لدى أصحاب الآبار من وقوعهم ضمن المخالفات وتحت الغرامة.

لاتزال آلاف العوائل نازحة عن القرى والبلدات جنوب اوتستراد الـ M4، بسبب غياب الخدمات عن المنطقة الممتدة من قرية العنكاوي جنوبا في سهل الغاب حتى قرية فريكة شمالاً بمنطقة جسر الشغور، فيما عادت مئات العائلات للمنطقة تكابد مرارة العيش في ظل غياب الخدمات الأساسية، من مياه شرب وكهرباء سلبتها سلطات الأمر الواقع لتعزيز مالية قادتها.